وترى العلماء يلهجون في الاستدلال على ما يرومون بقولهم : لنا وجود المقتضي وعدم المانع ، ولا يذكرون لبيان عدم المانع إلاّ بطلان ما يحتمل أن يكون مانعا ، من غير أن يتكلَّفوا البرهان على انحصار المانع ، ولا أن يكلَّفهم الخصم ذلك ، ويقول : لعلّ هناك مانعا لا تعلمونه . وممّا ذكرنا يظهر ما في كلام صاحبنا العلاّمة أدام اللَّه أيّامه ، وقد وافق هذا الأستاذ وقال : « إذ الترديد والشك في تحقق شيء حاصل لبعض وغير حاصل للآخر وهذا ليس أمرا قابلا للنزاع ، فانحصر الأمر في الثاني » : [1] الإمكان الوقوعي . والأمر كما قال - سلَّمه اللَّه - لو كانت الأصول العلميّة ، والقواعد المنطقية تدع للأفكار حرّيتها فيحتمل من شاء ما شاء ، ولكن مقرّرات العلوم لا تزال تغلق للاحتمالات أبوابا ، وتفتح غيرها ، وكيف لا يكون قابلا للنزاع والمنازعات العلميّة بين علماء العلوم قائمة على ذلك ، وعليه يدور رحى الخلاف بينهم ، فلا يزال يحتمل أحدهم شيئا ويمنعه آخر . وليس المراد من الإمكان الاحتمالي كلّ احتمال صدر من أيّ محتمل ، بل المراد الاحتمال العلمي الَّذي يرتضيه نقيد العلم ، ولا تبهرجه يد البرهان بعد الفحص الكافي والتأمل التام ، ولذا خصّه رحمه اللَّه بما بعد التأمل [2] ، فهذا مراد الشيخ الأعظم ، وهو موافق لما أراده الشيخ الرئيس من كلامه [3] المعروف . وهذا كاف فيما يرومه في المقام من العمل بدليل التعبّد به ، من غير اضطرار إلى تأويله أو طرحه ، وبه يثبت الإمكان الوقوعي ، ولا يعقل بدونه العلم
[1] الشيخ عبد الكريم الحائري ( قدس سره ) في درر الفوائد 2 : 23 . [2] انظر فرائد الأصول : 24 . [3] كل ما قرع سمعك من الغرائب فذره في بقعة الامكان ما لم يذدك قائم البرهان . ( منه ) .