وهذا الوقت الَّذي يصرفه هذا الفاضل على انتقاد كلام صاحب الفصول لو كان يصرفه على تحصيل مرامه لكان هو الأسلم لنا والأجدر به ، واللَّه العاصم . ومن وجوه التخلَّص عن النهي ما تقدم نقله عن المعالم أعني عدم وجوب المقدّمة حال عدم إرادة المكلَّف امتثال ذيها . وقد عرفت أنّ الظاهر منه عدم وجوب غير الموصلة من المقدّمات ، ويحتمل أن يكون مراده أنّ المقدّمة المقرونة بالصارف بقيد أنّها معه ليست بمقدّمة فعليّة [1] للواجب ، إذ لا يمكن التوصّل بها إليه فعلا ، وستعرف - إن شاء اللَّه - أنّ قاعدة الترتّب كافية لتصحيح الأمر ، والتخلَّص عن النهي معا . وأما الأمر بالضدّ ، فقد يقال بإمكان تعلَّق الأمرين المطلقين بالضدّين إذا لم يكونا مضيّقين ، وقد نسب ذلك إلى المحقق الثاني [2] . وقد يمنع عن ذلك ، ويقال بأنه يمكن أن يتعلَّق بالضدّ المهم أمر مشروط بعصيان الأهمّ ، فلا أمر بالمهمّ إذا امتثل أمر الأهمّ ، لفقدان شرطه ، ولكنه مأمور به على فرض عصيان الأمر المطلق المتعلَّق بالأهم ، وهذا هو الترتّب بين الأمرين المتعلَّقين بالمتزاحمين الَّذي ذهب إليه العلاّمة - الجدّ [3] - وأقام على إمكانه البرهان ، وأوضحه السيد الأستاذ غاية الإيضاح [4] ، وإليك بيانه على ما استفدناه مع زيادات نافعة ، ويتوقف توضيحه على مقدّمات : أولها : أنّ الحكم في مقام الامتثال للعقل وحده ، ومن حكمه إذا ورد من
[1] وإن كانت مقدّمة شأنيّة . ( مجد الدين ) . [2] المحقق الكركي في جامع المقاصد . ( مجد الدين ) . [3] صاحب الهداية ، وإليه ذهب أيضا الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء ، وأقام عليه البرهان ، فلو قال : جدّان . لكان أولى . ( مجد الدين ) . [4] وهذا غير الترتب بين الحكمين الَّذي يأتي بيانه في محلَّه إن شاء اللَّه . ( منه رحمه اللَّه ) .