أنّ العبادة لا تتوقف معناها على وجود الأمر أصلا ، فضلا عن توقفها على قصده ، بل تتحقق مع النهي عنها ، كالسجود للأصنام ، إذ ليس المحرّم مجرّد الانحناء لها قطعا ، بل المحرّم الانحناء بقصد التعظيم والخضوع ، ومتى وقع الفعل بهذا القصد كان محرّما ، لكونه عبادة لغير اللَّه تعالى ، وإذا وقع بقصد الخضوع له تعالى كان عبادة له سبحانه ، ولو كان قصد الأمر مقوّما لمعنى العبادة لزم أن لا تتحقق عبادة غير اللَّه أصلا . وممّا حقّقناه ظهر لك معنى قول كاشف الغطاء [1] رحمه اللَّه : إنّ قصد القربة ليس بجزء ولا شرط ، بل هو روح العبادة . وظهر أيضا المراد من قصد القربة ، وأنه ليس المراد منه حصول القرب ، وأنّ العبادات تنقسم إلى الأحكام الخمسة ، فقد تكون محرّمة كصلاة الحائض ، فإنها عبادة حقيقة ، ولكنها مبغوضة منها في حالة الحيض ، ولو كان قصد الأمر مقوّما لها لزم جواز الصلاة لها ، لأنها إن كانت مأمورة بها فقد أتت بالواجب ، وإلاّ فلم تتحقق العبادة المنهيّة عنها ، وقد تكون مكروهة كالصلاة في الأوقات والأمكنة المنصوصة عليها ، ولا داعي إلى تكلَّف أقلَّية الثواب ، لما عرفت من عدم كون الأمر المستلزم للثواب من مقوّمات العبادة أصلا . وبالجملة ليست عبادة اللَّه سبحانه إلاّ تعظيمه والخضوع لديه بأفعال وأقوال مخصوصة يؤدّى بها التعظيم والخضوع . ويمكن اختلاف المصلحة والمفسدة فيها باختلاف الحالات كسائر الأفعال ، ويزداد هذا وضوحا بملاحظة تعظيم الملوك وغيرهم ، إذ ربّما يكون الملك
[1] الشيخ جعفر وهو جدّ جدّ المؤلف من قبل الأمّ لأنه صهر الشيخ محمد تقي صاحب الهداية ، وجدّ ابنه الشيخ محمد باقر من قبل الأم والد الشيخ محمد حسين صاحب التفسير والد المؤلَّف رضوان اللَّه تعالى عليهم أجمعين ، وكانت نسبة المؤلف إلى كاشف الغطاء من جهات شتّى لا نذكرها هنا ، وتوفّي كاشف الغطاء رحمه اللَّه تعالى في أواخر رجب المرجّب من شهور سنة 1227 من الهجرة المقدسة . ( مجد الدين ) .