والأمر في الأولى واضح سهل إذ مريد الشيء بهذه الإرادة يشتغل بمقدّماته غير الحاصلة ، حتى تجتمع أجزاء علَّته التامة ، ويوجد الفعل بعده . وأما الثانية فمتعلَّقها غير مقدور للمريد ابتداء ، فلا بدّ له من إيجاد الإرادة له ، أي يجعله عالما بالصلاح كما هو عالم به ليتحقق منه الفعل ، وذلك إمّا بإعلامه عين الصلاح الَّذي يعلمه كقول الطبيب : اشرب هذا الدواء فإنه شفاؤك من الداء . أو بنفس إرادته إن كان المأمور ممّن يرى صلاحه في إطاعة الآمر ، لحبّ ونحوه ، وإمّا بجعل الثواب على امتثاله ، والعقاب على تركه ، إذ الفعل بهما يصير ذا صلاح عنده . وبالجملة لا بدّ لوقوع الفعل في هذا القسم من اجتماع الإرادتين ، بمعنى إرادة الآمر وإرادة المأمور ، فالفعل مستند إليهما ، واختياري لهما معا ، لكن إحدى الإرادتين في طول الأخرى ، أراد الآمر فأراد المأمور ، ولعلَّه بذلك يفتح لك الباب إلى فهم قوله عليه السلام : ( لا جبر ولا تفويض ) [1] وتفصيل ذلك لا يناسب المقام . المقام الثاني : في أن الإرادة هل هي عين الطلب أو غيره ؟ فنقول : المنسوب إلى الأشاعرة هو الثاني ، وإلى العدلية ( 1 ) هو الأول ، وربّما نسب إلى - الجدّ - العلاّمة ، وستعرف ما فيه إن شاء اللَّه .
[1] بحار الأنوار 5 : 17 / 27 ، التوحيد للشيخ الصدوق : 362 / 8 ( تصحيح وتعليق السيد هاشم الحسيني الطهراني وطبع جماعة المدرسين بقم المشرفة ) . ( 2 ) قوله : وإلى العدلية إلى آخره . أقول : المراد بالعدلية في هذا المقام بل في كل موضع مع الإطلاق هم الإماميّة والمعتزلة لأنّهم هم القائلون بالعدل للَّه تعالى ، وأنّ لازم مذهب الأشاعرة نفي العدالة عنه تعالى لأنهم هم الجبرية المستلزم مذهبهم هذا نفي العدل عنه تعالى ، وتفصيل ذلك لا يناسب المقام . ( مجد الدين )