استصحاب نفس النبوّة . وأمّا استصحاب بعض أحكام شريعة من اتّصف بها فلا مانع منه بلا إشكال ، لما عرفت من أنّه لافرق بين كون المستصحب من أحكام هذه الشريعة أو الشريعة السابقة . ثمّ لا يخفى أنّ الدليل إمّا أن يكون إلزاميّاً للخصم ، كما إذا كان مؤلّفاً من مقدّمات يقينيّة ويسمّى بالبرهان ، أو من مقدّمات مسلّمة عند الخصم وإن لم تكن مسلّمة عند المستدلّ ، ويسمّى بالجدل ، وإمّا أن يكون إقناعيّاً لمن يستدلّ به ، كالقطع الذي هو حجّة عند القاطع ولا يكون حجّة على غيره لأنّ قطع كل أحد حجّة على نفسه لا على غيره . إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الاستصحاب لا يكون دليلا إلزاميّاً للخصم ، إلاّ إذا اعترف بأنّه كان على يقين فشكّ فيما صحّ هناك التعبّد والتنزيل ، ودلّ عليه الدليل ، كما لا يكون دليلا إقناعياً لشخص المستدلّ ، إلاّ إذا كان يقين وشكّ ، ودلّ الدليل على تنزيل الشكّ منزلة اليقين . ومن هنا انقدح أنّه لا موقع لتشبّث الكتابي باستصحاب نبوّة موسى على نبينا وآله وعليه السلام لا إلزاماً للمسلم ، لعدم الشكّ في بقائها قائمة بنفسه المقدّسة واليقين بنسخ شريعته ، وإلاّ لم يكن بمسلم ، مع أنّه لا يلزم به إلاّ مع الاعتراف بأنّه على يقين سابق وشكّ لاحق ، ولا إقناعاً لنفسه عند الشكّ في بقاء نبوّته ، واحتمال صدق النبي اللاحق ، الذي يدّعي نسخ شريعته ، إذ بمجرّد دعوة النبي اللاحق واحتمال صدقه يجب بحكم العقل من باب وجوب دفع الضرر المحتمل النظر في معجزته وحالاته ، فلو كان مدرك حجيّة الاستصحاب عنده حكم العقل وبناء العقلاء على الأخذ بالحالة السابقة ، فهذا الحكم والبناء محكوم ومهدوم بالحكم العقلي بوجوب النظر في معجزات النبي اللاحق وحالاته ، ولو كان مدركها حكم النبي السابق بحجّيته فالأخذ بقوله فرع بقاء نبوّته وشريعته ، فلا يمكن إثبات نبوّته في حال الشكّ بقوله ، ولو كان مدركها حكم النبي اللاحق بحجّيته فلا يجديه إلاّ