وندرة النسخ إنّما هو في صورة الدوران وإمكان كلّ واحد منهما ، والحال أنّه لا دوران بينهما ، إذ الخاص المتأخّر - مثلا - إن ورد قبل حضور وقت العمل بالعام المتأخّر كان مخصصاً لا ناسخاً لعدم جواز النسخ قبل حضور وقت العمل ، وإن ورد بعد حضور وقت العمل بالعام كان ناسخاً لا مخصّصاً لعدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة . ومن هنا يقع الإشكال في الخصوصيات الصادرة عن الأئمة ( عليهم السلام ) فإنّه إن حملناها على التخصيص لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، وإن حملناها على النسخ لزم جواز النسخ بعد انقطاع الوحي ، وهو ممنوع . ولكن يمكن دفع الإشكال بأنّه يمكن حملها على التخصيص ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة إذا كانت مصلحة في التأخير لا مانع منه ، إذ كما أنّ صدور الأحكام وقع متدرّجاً مع تمامية مصلحتها في أوّل البعثة من جهة مصلحة في بيانها تدريجاً أو مفسدة في بيانها دفعة فكذلك يمكن أن يكون تأخير بيان المخصّصات وصدورها تدريجاً من جهة وجود مصلحة في تأخير بيانها ، أو وجود مفسدة في بيانها قبل زمان الحاجة ، والفرق بينهما بأنّ الوقوع في خلاف الواقع في الأوّل من جهة عدم البيان ، وفي الثاني من جهة بيان العدم ليس بفارق ، ولا يوجب جواز الأوّل وعدم جواز الثاني بعد وجود المصلحة في البيان التدريجي في كليهما أو وجود المفسدة في البيان الدفعي فيهما ، لأنّ عدم البيان لو لم يكن فيه مصلحة كان كبيان العدم في القبح وعدم الجواز على الحكيم كما أنّه يمكن حملها على النسخ بأن أودع النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) بيان أمد الحكم وغايته إلى خلفائه ( عليهم السلام ) كما أودع بيان أصل بعض الأحكام عندهم ، ولا ينافي ذلك عدم جواز النسخ بعد انقطاع الوحي ، لأنّ الأئمة ( عليهم السلام ) بيّنوا ما أودعه النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) عندهم . ثمّ إنّ النسخ حقيقة عبارة عن الرفع ، ولا حاجة في رفع اليد عن ظاهره وحمله على الدفع من جهة توهّم أنه لو أبقى على معناه الحقيقي لزم البداء المستحيل في حقّه تعالى ، وذلك لأنّه يمكن أن يكون في جعل الحكم الأبدي المستمر مصلحة ، وفي رفعه بعد جعله أيضاً مصلحة ، فيجعل الحكم أوّلا على نحو