المرتعش لكانت معصيته مستندة إلى الله تعالى ، ولا يصحّ مؤاخذته وعقابه عليها ، وإذا لم يكن كذلك فلا تستند إلاّ إلى نفسه والى سوء اختياره فيصحّ عقابه عليها . ولا يرد في المقام إلاّ إشكال واحد وهو : أنّه لم خلق الله تعالى هذا الشخص القابل لاختيار الإيمان والطاعة والكفر والعصيان مع علمه بأنّه يختار الكفر والعصيان ؟ وهذا هو الإشكال الذي أورده إبليس اللعين على الله تعالى . وجوابه : هو الجواب الذي قال الله تعالى له : أتعلم أنّي حكيم أم لا ؟ فبعد الاعتراف بحكمته قال ما حاصله : أنّه لا موقع للاعتراض على الحكيم ، فسكت اللعين . وهذا الإشكال وأنّ الحكمة في خلق الكافر والعاصي أيّ شي ؟ راجع إلى عالم القضاء والقدر الذي هو بحرٌ مظلم كما ورد في الخبر [1] ، والإحاطة بكنهه خارج عن طوق البشر فلابدّ لنا عن التكلّم في هذا المقام من صرف النظر ، فكما أنّه لا موقع لسؤالنا عن الحكماء والأطباء الذين لهم مهارة في فنّهم عن أدويّة التي يستعملونها في معالجة المريض ولا نسأل [2] عنهم لم عالجته بكذا وكذا ؟ فكذلك لا موقع للسؤال عن فعل الحكيم على الاطلاق بِلمَ ؟ وبِمَ ؟ فلا موقع لسؤالنا عن أنّ الله تعالى لِمَ خلق هذا الكافر الذي يُبتلى في الدنيا بأنواع الأمراض والبليات وفي الآخرة بعذاب النار بعد علمنا بأنّه حكيم لا يصدر عنه فعل مخالف للحكمة ، بل لابدّ من تسليم الأمر إليه والاعتقاد بأنّ أفعاله كلّها صادرة عنه بمقتضى الحكمة .
[1] بحار الأنوار : باب القضاء والقدر ج 5 ص 97 ح 22 . [2] كذا في الأصل ، والصواب لا نسألهم .