وصاحب الفصول ( قدس سره ) [1] بعد أن ذكر هذه الوجوه السخيفة عن طرف الأشاعرة على مغايرة الطلب والإرادة وأجاب عنها ، ثم قال : يمكن تقرير الدليل بوجه آخر ، وهو الذي ذكره في الكفاية بقوله : إشكال ودفع : وحاصل الإشكال أنه بناءً على اتّحاد الطلب والإرادة يلزم في تكليف الكفّار بالإيمان ، بل مطلق العصاة بالعمل بالأركان إمّا أن لا يكون طلب جدّي وإرادة جدّية ، وهو باطل بالضرورة ، وإمّا أن يتخلف مراده تعالى عن إرادته لو كان طلب جدّي وإرادة جدّية ، وهو أيضاً باطل بالضرورة ، لأنّ مراده تعالى لا يتخلّف عن إرادته بالبديهة . وحاصل الدفع : أنّ المحال هو تخلف مراده تعالى عن إرادته التكوينيّة التي هي عبارة عن العلم بالنظام الأحسن على الوجه الكامل التام لا الإرادة التشريعيّة التي هي عبارة عن العلم بالمصلحة في فعل المكلف . وما لا محيص عنه في التكليف إنّما هو هذه الإرادة التشريعيّة لا التكوينيّة ، فإذا توافقنا فلابدّ من الطاعة والإيمان ، وإذا تخالفنا فلابدّ من أن يختار الكفر والعصيان ومع ذلك لا يلزم أن يكون الكفر والعصيان خارجين عن الاختيار ، والعقاب عليهما عقاباً على ما لا ينتهي بالأخرة إلى الاختيار ، إذ يكفي في اختياريّة الفعل أن تكون إحدى مقدماته ناشئة عن الاختيار . والأمر هنا كذلك ، لأنّه بعد تهيئة الله تعالى أسباب الطاعة والمعصية للعبد من خلقه وإقداره عليهما يخلق الآلات القابلة لصرفها واستعمالها في الطاعة والمعصية جميعاً ، وأودع فيه العقل الباعث على الطاعة والزاجر عن المعصية ، ومع ذلك رغّبه إلى الطاعة بالمرغّبات وزجره عن المعصية بالزواجر ، فلو اختار الكفر على الإيمان والمعصية على الطاعة لما كان صدورهما عنه بلا اختيار ، إذ معلوم أنّ حركته إلى الكفر والعصيان ليست كحركة المرتعش صادرة عنه بلا عزم وإرادة ، فإذا كان صدورهما عنه باختياره فيصحّ عقابه عليهما ، لأنّه عقاب على أمر صادر عنه بالاختيار ، إذ ليسا مستندين إلى الله تعالى إلاّ بخلقه وإقداره وتهيئة أسباب