فعل المندوب طاعة وكلّ طاعة فهو فعل المأمور به [1] . وقد أُورد على استدلال الطرفين كما سيأتي . والحقّ في المقام أن يقال : إنّ الأمر موضوع للطلب وينصرف إلى الذهن من إطلاقه الالزام كما هو الحال في مادة الطلب وصيغة إفعل وما بمعناها أيضاً ، وذلك لأنّ الطلب ليست له مرتبتان مختلفتان بالسنخيّة أو بالمرتبة حتى يكون الطلب الشديد والمرتبة الشديدة منه عبارة عن الوجوب والمرتبة الضعيفة منه عبارة عن الندب من جهة أنه لا فرق بينهما في البعث والتحريك . فكما أنّ البعث والتحريك موجودان في الطلب الوجوبي فكذلك في الطلب الندبي وهما ليسا قابلين للشدّة والضعف ، إذ البعث بعث فيهما ، والشدة والضعف من جهة العلم بالصلاح أو الشوق المؤكّد على اختلاف في معنى الإرادة أيضاً كذلك ، لأنّ للعلم بالصلاح والشوق المؤكّد مراتب مختلفة بالشدّة والضعف والزيادة والنقيصة باعتبار المصلحة الكامنة في الفعل ، فأيّ مرتبة منها تكون ملاك الايجاب وأيّ مرتبة منها ملاك الندب ؟ لأنّ من أوّل مرتبة تحقّق الصلاح فيه إلى أن ينتهي إلى ما شاء الله مراتب مختلفة ، فكلّ مرتبة شديدة بالنسبة إلى ما دونها وضعيفة بالنسبة إلى ما فوقها ، فلا يمكن تحديد مرتبة خاصّة منها بالايجاب ومرتبة منها بالندب . فالفرق بين الايجاب والندب ليس شدة الطلب وضعفه كما قيل [2] ، لما عرفت من أنّهما من حيث البعث الإنشائي والتحريك الخارجي سيّان ، ومن حيث العلم بالصلاح والشوق المؤكّد أيضاً لا يمكن الفرق بينهما لوجود مراتب كثيرة وعدم إمكان تحديد الوجوب بمرتبة خاصّة منها وتحديد الندب بمادونها ، وإنّما الفرق بينهما من جهة أنّ المصلحة في الشيء المأمورية قد تكون على نحو لا يمكن أن يزاحمها شيء ، وقد تكون على نحو يزاحمها شيء آخر ، ولو كان مثل تسهيل الأمر على العباد .
[1] الفصول الغروية : ص 64 س 4 . [2] قاله صاحب نهاية النهاية : ص 91 .