إذا طلب شيئاً سواء كان طلبه باللفظ أو الإشارة أو الكتابة يصحّ أن يقال : أمر فلان ، وأمّا السافل إذا طلب فلا يصحّ أن يقال : أمر فلان إلاّ على سبيل الاستهزاء ، إذ الأمر في لغة العرب بمعنى " فرمان دادن " في لغة العجم وهو لا يطلق إلاّ على طلب العالي . نعم يمكن أن ينزل الداني منزلة العالي ويستعمل الأمر في طلبه بأن يقال ما أمرك مثلا ، وهو خارج عن محلّ الكلام كما لا يخفى ، إذا المقصود أنّ الطلب من السافل ليس أمراً حقيقة ولو كان مستعلياً ، لا أنّه لا يمكن استعمال لفظ الأمر في طلبه تنزيلا له منزلة العالي واثبات ما هو من لوازم طلب العالي له كما في أنشبت المنيّة أظفارها . فتحصّل : أنّ المعتبر في تحقّق مفهوم الأمر هو علوّ الطالب فقط ، لا استعلائه فقط ، ولا كليهما ، ولا أحدهما الغير المعيّن ، وبهما تحقّق مفهوم الأمر ، ولا دلالة على كفاية أحدهما في تحقّق مفهوم الأمر اطلاق المقبّح والموبّخ لفظ الأمر على طلب السافل من العالي المستعلى عليه وتقبيحه وتوبيخه بأنّك لم تأمره أو أمرته ، لأنّ التقبيح والتوبيخ إنّما هو على استعلائه لا على طلبه ، وكيف يمكن أن يكون التقبيح والتوبيخ على طلبه من العالي ، والحال أنّ الطلب من الله لا قبح فيه ، بل حسن فكيف الطلب من غيره وإطلاق الأمر على طلبه يكون مجازاً ، والمصحّح لهذا الإطلاق المجازي هو استعلائه ، فكأنّه باستعلائه صار عالياً وكما يصحّ إطلاق الأمر على طلب العالي فكذلك يصحّ اطلاقه على طلب السافل المستعلي ، ولكن إطلاقه عليه اطلاق مجازي يصحّ سلبه عنه حقيقة . ثمّ إنّ العلوّ قد يلاحظ بالقرب عن الله فكلّ من كان أقرب إليه تعالى يكون عالياً بالنسبة إلى من كان دونه في القرب ، وقد يلاحظ بالنسبة إلى جعل الله تعالى فكلّ من جعله الله تعالى مطاعاً بالنسبة إلى شخص فهو عال بالنسبة وإن كان أقرب منه إليه تعالى كما في الموالي بالنسبة إلى العبيد ، وهل ينحصر العلوّ بهاتين الجهتين ، أو تكون جهة أُخرى موجبة للعلوّ أيضاً ؟