الموضوع والمحمول في القضيّة الثانية وهي نسبة الناطقية إلى الإنسان ، وهي ممكنة . ولا يضرّ كون النسبة الثانية موجهة بالإمكان كون النسبة الأُولى موجهة بالضرورة ، لأنّ المدار في الانقلاب وعدمه إنّما هي النسبة الأُولى التي هي مستقلّة باللحاظ لا النسبة الثانية التي لم تلحظ إلاّ تبعاً وبما هي حالة لتعرف حال الغير ، هذا حاصل الايراد الذي أورده صاحب الكفاية . ولا يخفى أنّ الأولى أن يمثل بمثل : " الإنسان ضاحك " ممّا لا يكون ثبوته ضروريّاً لا بمثل : " الإنسان ناطق " ممّا يكون ثبوته ضروريّاً ، فإنّه لا يلزم الانقلاب فيه إلاّ أن يكون المراد بالنطق النطق الظاهري لا ادراك الكلّيات الذي هو ضروري للإنسان . وحاصل الجواب : أنّ المحمول على الذات هو مجموع الذات المقيدة بالوصف لا الذات وحدها ، والمجموع ثبوته ليس ضرورياً ، لعدم كون القيد ضرورياً ، والنتيجة تابعة لأخسّ المقدمتين بل يمكن أن يقال : إنّ المقصود من حمل الذات المقيّدة بقيد في الحقيقة هو حمل القيد لا الذات ، لأنّه حمل الشيء على نفسه ، وهو غير مفيد . وأمّا الإيراد الذي أورده صاحب الفصول على نفسه بقوله : " فيه نظرٌ " [1] فهو أنّ الذات المأخوذة مقيّدة بالوصف قوّة أو فعلا إن كانت مقيّدة به واقعاً صدق الايجاب بالضرورة ، وإلاّ صدق السلب بالضرورة ، مثلا لا يصدق زيد كاتب بالضرورة ، لكن يصدق زيدٌ زيد الكاتب بالقوّة أو بالفعل بالضرورة . ففيه : أنّ الظاهر من هذا الكلام ارجاع تمام القضايا إلى الضرورية بشرط المحمول ، وهو سخيف ، لأنّ المدار في الضرورية والإمكان وغيرهما من الجهات هو ملاحظة أنّ ثبوت نسبة المحمول إلى الموضوع متكيّف بأيّ كيفيّة واقعاً ، وفي نفس الأمر مع قطع النظر عن الثبوت واللاثبوت فإنّ ثبوت النطق للإنسان مع قطع النظر عن ثبوته ولا ثبوته له ضروري ، بخلاف الضحك فإنّه ليس كذلك ، ولكن لو لوحظ بشرط