وثانياً : أنّ المعاني التي يدركها البشر من المحسوسات والمعقولات أيضاً متناهية . وثالثاً : أنّه على فرض تسليم تناهي الألفاظ وعدم تناهي المعاني أنّ الغير المتناهي إنّما هي جزئيات المعاني لا كلياتها ، فإذا كانت كلّياتها متناهية فتوضع الألفاظ المتناهية بإزاء تلك المعاني الكليّة المتناهية ، وتستعمل تلك الألفاظ في الجزئيات الغير المتناهية من باب إطلاق الكلّي على الفرد ، مع أنّ المجاز باب واسع . والحاصل : أنّه بعد انفتاح باب إطلاق الكلّي على الفرد وباب المجاز لا وجه للقول بوجوب الاشتراك ، ولو قلنا بتناهي الألفاظ وعدم تناهي جزئيات المعاني أو كلّياتها أيضاً ، فإنّه بانفتاح هذين البابين يندفع المحذور . نعم لو استدلّ له باقتضاء الحكمة له أحياناً كما ذكرنا سابقاً لكان له وجه ، وإن كان لا يخلو عن منع . وأمّا القول بامتناعه فلأنّه - كما عرفت - مبنيّ على منافاة العلقة الوضعية أو تعهد الواضع لإرادة المعنى عند ذكر اللفظ للتعدّد ، وقد عرفت ما فيه . فظهر أنّ الحقّ من هذه الأقوال الثلاثة هو القول بالإمكان ، ويكفي فيه الوقوع الذي هو أدلّ دليل على الإمكان فإنّ بعض الألفاظ قد استعمل في معنيين بحيث لا يمكن الاستعمال فيهما إلاّ على نحو الاشتراك فإنّ لفظ " شير " في لغة الفرس قد استعمل في الحليب وفي الحيوان المفترس ، ولا جامع بين المعنيين ، وعلاقة المجازية أيضاً منتفية فليس استعماله فيهما إلاّ من باب الاشتراك ، ولا فرق بين اللغات عند القائل بامتناع الاشتراك . ولعلّ في لغة العرب ما يكون من هذا القبيل كثيراً . فدعوى امتناع الاشتراك وإرجاع ما يكون بحسب الظاهر من باب الاشتراك إلى متّحد المعنى بدعوى الوضع للقدر الجامع كما قيل [1] في مثل لفظ " العين " أنّه