الحروف فيها أو التركيبات المتعارفة ، فهي وإن كانت متناهية ، إلاّ أنّ المعاني التي يدركها البشر من المحسوسات والمعقولات ويحتاج في مقام التعبير عنها إلى اللفظ أيضاً متناهية . ولو استدل لهذا القول بأنّ الحكمة كما تقتضي أصل الوضع فقد تقتضي تعدّده لبعض المقاصد والأغراض التي قد تدعو الحاحة إليها كالإجمال ونحوه لكان أحسن من الاستدلال السابق وإن كان لا يخلو عن منع أيضاً . واستدلّ للقول بامتناعه بأنّ الاشتراك وتعدّد الوضع موجب للإخلال بالغرض المقصود من الوضع وهو التفهيم [1] ، وهو قبيح ، فيتنمع صدوره عن الحكيم . وفيه : أوّلا : ما عرفت من أنّ الحكمة قد تقتضي الاشتراك وتعدّد الوضع بحيث يحتاج إفهام المعنى المراد إلى نصب قرينة . وثانياً : أنّه إنّما يتمّ فيما إذا كان الواضع حكيماً على الاطلاق كالباري تعالى ، بحيث يمتنع صدور القبيح عنه ، وأمّا إذا لم يكن حكيماً أو كان حكيماً ولكن لا يمتنع صدور القبيح عنه فلا يتمّ . فتحصّل : أنّ الحقّ من الأقوال الثلاثة هو القول بالإمكان لا القول بوجوبه وامتناعه ، لعدم تمامية شيء ممّا ذكر دليلا لكلّ واحد من القولين . أمّا القول بوجوبه فلأنّه لو استدلّ له بما ذكر من أنّ الألفاظ لتركبها من الحروف المتناهية متناهية والمعاني غير متناهية فلابدّ من الاشتراك لتفي الالفاظ بإفادة المعاني . ففيه : أوّلا : أنّ الألفاظ المركبة أيضاً غير متناهية ، ولا ينافي عدم تناهيها مع تناهي الحروف التي هي مركبة عنها كما في الأعداد ، فإنّها مركبة من الواحد مع أنّها غير متناهية إلاّ أن يكون المراد من تناهي الألفاظ الألفاظ التي لم يتكرّر الحروف فيها .