تعرضّهم لتلك المسألة في طي المسائل الأُصولية كما عرفت . ثم إنّ الكلام الآن في جريان هذا النزاع في العبادات ، وأمّا المعاملات فسيأتي الكلام في أنّ هذا النزاع يجري فيها أم لا ؟ فهنا أُمور : الأوّل : هو أنّه هل جريان هذا النزاع في العبادات مبنيٌّ على القول بثبوت الحقيقة الشرعيّة ، أم يجري مطلقاً ولو على القول بعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة ؟ والكلام تارة في إمكان جريان هذا النزاع على هذا القول ، وأُخرى في وقوعه . الظاهر من عنواناتهم بأنّ ألفاظ العبادات أسامي للصحيحة أو الأعمّ ، أو أنّ ألفاظ العبادات موضوعة للصحيحة أو الأعمّ ، وكذا استدلالاتهم بالتبادر وصحّة السلب وأمثالهما هو اختصاص النزاع بالقائلين بثبوت الحقيقة ، إذ ما لم يثبت وضع بالنسبة إلى المعاني الشرعيّة لا يصحّ النزاع في أنّ هذا الوضع والتسمية لخصوص الصحيحة أو للأعم منها ، وهكذا لو لم يثبت وضع بالنسبة إليها كيف يمكن التمسّك بالتبادر وغيره من علائم الحقيقة ؟ ولكن الحقّ هو جريان النزاع على القولين ، لا لما ذكره في التقريرات [1] من أنّ الظاهر من العنوان والاستدلال هو عدم جريان النزاع بناء على القول بعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة ، لكن هذا لا ينافي جريان النزاع بناء على القول بالعدم ، لأنّ عنوان هذا البحث والاستدلال عليه إنّما وقع من المثبتين للحقيقة . والنافون إنّما سلكوا على منوالهم ولم يغيّروا عنوان البحث حفظاً لبعض الجهات والخصوصيّات ، وذلك لأنّ هذا التوجيه وإن كان حسناً بالنسبة إلى أصل عنوان النزاع . ولكن بالنسبة إلى الاستدلال بمثل التبادر وصحّة السلب لا يتمّ ، لأنّ القائلين بثبوت الحقيقة الشرعيّة يمكنهم التمسّك بالتبادر وأمثالهم لمدّعاهم من القول بالصحيح أو الأعم ، وأمّا المنكرون فلا يمكنهم ذلك ، بل الوجه في تعميم النزاع على القولين ، مع أنّ أصل العنوان إنّما كان من المثبتين ، والأمر في عدم تغيير
[1] مطارح الأنظار : القول في الصحيح والأعم ص 3 س 10 .