وكيف كان الكلام بالنسبة إلى المخالفة القطعية قد تقدم وعرفت أنّ العلم الإجمالي بالنسبة إلى حرمة المخالفة القطعية علّة تامة ، وحكم العقل بالنسبة إلى عدم جواز ترك الأمرين اللذين يُعلم بوجوب أحدهما كالظهر والجمعة أو فعل شيئين اللذين يعلم بحرمة أحدهما كشرب الإناءين اللذين يعلم يكون أحدهما خمراً من باب وجوب دفع الضرر حكم تنجيزيّ لا يمكن للشارع الترخيص فيها ، لأنّه مستلزم للتناقض . وأمّا بالنسبة إلى الموافقة القطعية فحكمه تعليقي أي العقل يحكم بوجوب الإتيان بكلا الأمرين اللذين يعلم بوجوب أحدهما وترك كلا الأمرين اللذين يعلم بحرمة أحدهما ، من باب وجوب دفع الضرر المتحمل . لكنّ حكمه معلّق على عدم ترخيص الشارع في ترك تحصيل الموافقة القطعية ، وأمّا لو رخص الشارع في ترك تحصيل الموافقة القطعية فلا إشكال في أنّ موضوع حكم العقل بدفع الضرر المتحمل يرتفع ، لأنّ بحكم الشارع يصير المكلّف مأموناً من الضرر ، وإنّما الإشكال في أنّه كيف يمكن للشارع الترخيص في تركها ؟ ولكن يمكن أن يقال : إنّه لا مانع من الترخيص فعلا أو شرطاً في بعض أطراف الشبهة التحريمية والوجوبية إذا اقتضت المصلحة ولم يكن التكليف فعلياً من جميع الوجوه والحيثيات بحيث يكون المولى بصدد تحصيله من المكلّفين بأيٍّ نحو أمكن ، إذ لو كان التكليف فعليّاً بهذه المرتبة من الفعلية لابدّ له من جعل الاحتياط لو لم يكن العقل ملزماً به كما في الشبهات البدوية في الدماء والفروج والأموال ، أو تقرير حكم العقل لو كان ملزماً بالاحتياط كما في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي . ومع الترخيص في ارتكاب بعض الأطراف فعلا في الشبهات التحريمية وتركاً في الشبهات الوجوبية يكون التكليف متوسطاً في الفعلية ، لأنّ فعليّة التكليف منتزعة عن كيفية تحصيله ، فإن اكتفى الشارع في تحصيله بأمره سفراءه بتبليغه إلى المكلفين على النحو المتعارف من تبليغ الاحكام والقوانين الكلّية إلى