كون المطلوب أداء الطبيعة مرتين أحدهما على سبيل الوجوب والآخر على جهة الندب ، فلا اجتماع للجهتين في شئ واحد حتى تقدم جهة الوجوب على الندب وإنما الواجب هنا إيجاد والمندوب إيجاد آخر ، ولا يمكن تعيين شئ منهما إلا بالنية نظرا إلى دوران الفعل من دونها بين الأمرين . قلت : المتحصل من الأمرين في المقام هو مطلوبية أداء الطبيعة المفروضة مرتين ، مرة واجبة ومرة مندوبة ، وقضية ذلك وجوب المرة الأولى واستحباب الثانية دون العكس ، لصدق أداء الواجب بالإتيان بها أولا ، نظرا إلى حصول الطبيعة الواجبة ، فالحاصل من الأمرين بعد ملاحظتهما كون ما يأتي به أولا واجبا والثاني مندوبا . ألا ترى أنه إذا أمر السيد عبده على جهة الوجوب بإعطاء درهم للفقير ثم أمره بإعطائه درهما على جهة الندب ، فدفع العبد اليه درهما واحدا حكم في العرف ببراءة ذمته عن الواجب قطعا ، ولذا لا يجوز أحد من العقلاء عقوبته على ترك الواجب ، كيف ! ولم يكن الواجب عليه إلا إعطاء الدرهم وقد أتى به . فإن قلت : إن المطلوب بكل من الأمرين متقيد بما يغاير المطلوب بالآخر ، ولذا تعدد المطلوبان في المقام ولم يصح حصولهما بفعل واحد ، فلا يتم الحكم بانصراف الفعل الأول إلى خصوص الواجب من جهة صدق الطبيعة المطلقة عليه ، إذ ليس المطلوب في المقام مطلق الطبيعة حتى يكتفى بصدقها في المقام ، بل لا بد من ضم النية المعينة ليتحقق به المغايرة المطلوبة . قلت : إنه لم يتعلق كل من الأمرين إلا بالطبيعة المطلقة ، غير أن المقصود بهما أداء الطبيعة مرتين واللازم من ذلك مغايرة أداء الواجب لأداء المندوب ، لا أن يكون كل من وجوب الفعل وندبه قيدا في الفعل المطلوب حتى أنه لا يؤدى الفعل من دون ملاحظته ليعتبر في كل من المطلوبين ملاحظة مغايرته لأداء المطلوب الآخر ، بل ليس المطلوب إلا أداءين للطبيعة المطلقة . وحينئذ فنقول : إن وجوب أداء الطبيعة على الوجه المذكور وندبه كذلك