أمّا عدم منافاة توجيه مقتضيات الخير إلى العبد لاختياره فواضح، إذ المفروض توقف صدور الفعل مع تلك المقتضيات على اختياره ، و أمّا عدم منافاة سلبها لاختياره مع توقف الفعل عليها فلأنّ العبد لمّا ترك الخير باختياره، و صرف ما أفاض عليه ربُّه من مقتضيات الخير في غير محله، و اختار من الشقاوة مرتبة لا يليق معها بتوفيق الطاعة و بعد المعصية - سلب - اللَّه تعالى عنه تلك المقتضيات، و أوكله إلى نفسه الجانية الأمّارة بالسوء. الطائفة الرابعة: الآيات التي ادعيت صراحتها في اضطرار العباد في أفعالهم و تروكهم، كقوله تعالى في سورة الأنفال: «و ما رميت إذ رميت، و لكن اللَّه رمى» فإنّه كالصريح في كون فاعل الرمي هو اللَّه تعالى، و ليس ذلك إلاّ الإلجاء، و الجواب عنه: أنّ إسناد الرمي إليه تعالى مع أنّ الرامي هو النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم لا بد أن يكون لنكتة، إذ لو كان الإسناد على وجه الحقيقة لزم التناقض، لأنّه تعالى أسند الرمي أوّلا إلى النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم ثم أسنده إلى نفسه تعالى، فالإسناد الثاني يكون لعناية و هي كون الرمي و الغلبة على الكفار من معجزاته صلّى اللَّه عليه و آله، لئلا يتفاخر المسلمون بعضهم على بعض بأنّه ظفر على الكفار بقتلهم و أسرهم، قال في مجمع البيان: «ذكر جماعة من المفسرين كابن عباس و غيره: أنّ جبرئيل عليه السّلام قال للنبي صلّى اللَّه عليه و آله يوم بدر: خذ قبضة من تراب فارمهم بها، فقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله لمّا التقى الجمعان لعلي عليه السّلام: أعطني قبضة من حصا الوادي، فناوله كفا من حصا عليه تراب، فرمى به في وجوه القوم، و قال: شاهت الوجوه، فانهزموا، فعلى هذا إنّما أضاف الرمي إلى نفسه، لأنّه لا يقدر