أوجدهما اللَّه تعالى (قلم اينجا رسيد و سر بشكست). قد انتهى الكلام في المقام
بطن أُمّه أنّه سيعمل أعمال السعداء» الحديث«». و أمّا الخبر الثاني، فالظاهر منه هو تنزيل الناس منزلة المعادن في أنّه كما تكون المعادن من حيث المالية و الجهات الموجبة لتنافس الخلق و تزاحمهم عليها مختلفة جداً و متفاوتة جزماً، كذلك الناس، فإنّهم في الأخلاق و الصفات متفاوتون كتفاوت المعادن فيما عرفت، فلا دلالة في هذا الخبر على كون السعادة و الشقاوة ذاتيتين بمعنى العلّة التامة كما هو قضية الجبر، و لو سلمنا دلالة الخبر على كونهما ذاتيتين، فالمتيقن منه ذاتيتهما بنحو الاقتضاء لا العلية التامة، و قد مر: أنّ مجرّد الاقتضاء لا يثبت الجبر، و لو سلم ظهور هذا الخبر أو غيره من الروايات في كون السعادة و الشقاوة ذاتيتين بمعنى العلة التامة فلا سبيل إلى حجيته، لعدم مكافأته للضرورة العقلية التي هي كالقرينة المتصلة، و للآيات و الروايات المتواترة بل المتجاوزة عن حد التواتر النافية للجبر، فلا محيص عن التأويل أو الحمل على التقية، لما قيل: «من أنّ الجبر أشهر مذاهب العامة»، أو الطرح. فتلخص مما ذكرنا: عدم لزوم الجبر من ناحية ذاتية السعادة و الشقاوة. و أمّا من ناحية الإرادة، فإن أُريد بها إرادته تعالى شأنه، فقد عرفت أنّ المراد بها هو علمه باشتمال فعل العبد الصادر عنه باختياره على المصلحة، لا مطلقاً و لو صدر عنه قهراً، و من المعلوم أنّ هذه الإرادة لا توجب الجبر. و إن أُريد بها إرادته تعالى التي تنتهي إليها الممكنات، فلا تستلزم الجبر أيضا، و توضيحه يتوقف على بيان مقدمة ذكرها بعض المحققين (قده) و هي: «أنّ الفاعل ينقسم