بأحاديثنا وأورعهما فينفذ حكمه ولا يلتفت إلى الآخر ومنها خبر موسى بن أكيل عن أبي عبد الله عليه السلام عن رجل يكون بينه وبين أخ منازعة في حق فيتفقا على رجلين يكونان بينهما فحكما فاختلفا فيما حكما قال وكيف يختلفان قلت حكم كلّ واحد منهما للذي اختاره الخصمان فقال ينظر إلى أعدلهما وأفقههما في دين الله فيمضي حكمه ومنها المروي عن نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه إلى مالك الأشتر اختر للحكم بين الناس أفضل رعيّتك في نفسك ممن لا يضيق به الأمور أوقفهم في الشبهات وآخذهم بالحجج وأقلهم تبرما بمراجعة الخصم وأصبرهم على تكشف الأمور وأصرمهم عند اتضاح الحكم وقد يمنع من نهوض هذه الأخبار لإثبات المدعى إماما عدا الأخير منها فلاختصاصه بصورة خاصة وهي صورة اختيار كل من المتداعيين رجلا للحكومة وقطع الدعوى فلا يتم به المدعى لا يقال إذا وجب الرّجوع إلى الأعلم في هذه الصّورة وجب مطلقا إذ لا قائل بالفصل بين صور محل البحث لأنا نقول لا نسلم ذلك بل لا يخلو عن مناقشة وأما الأخير منها فلضعف سند ودعوى جبره بالشهرة لا يخلو عن إشكال وللآخرين أيضا وجوه منها أن المجتهد المفضول أهل الذكر كالأفضل فيجوز العمل بقوله مطلقا ولو كان الأفضل موجود أما المقدمة الأولى فلأن المراد من أهل الذكر أهل العلم ولا شك أن المجتهد المفضول من أهل العلم وأما مقدمة الثانية فلإطلاق قوله تعالى * ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ ) * وفيه نظر إذ قد يمنع من شمول الإطلاق لمحل البحث ويدعي تخصيص الآية الشريفة بالمعصومين عليهم السلام لظهور بعض الأخبار فيه ومنها أنه لو لم يجز تقليد المفضول مع وجود الأفضل لم يكن المفضول كأنبياء بني إسرائيل والتالي باطل فالمقدم مثله أما الملازمة فلأن أنبياء بني إسرائيل كان يجوز العمل بأقوالهم مطلقا وقد فرض أن المفضول مع وجود الأفضل لا يجوز العمل بقوله فلا يكون مثلهم حينئذ وأمّا بطلان التالي فلعموم قوله صلى الله عليه وآله علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل وفيه نظر فإن الرّواية قاصرة سندا ودلالة كما بيّناه سلمنا ولكنها معارضة بعموم ما دلّ على عدم جواز العمل بغير العلم وهو أولى بالترجيح أما على تقدير كون التعارض بينهما من قبيل تعارض العمومين من وجه فظاهر فإن العموم المشار إليه معتضد بالأصل وشهرة القول بعدم جواز تقليد المفضول مع وجود الأفضل مع أنه قطعي السّند وأما على تقدير كون المتعارض بينهما من قبيل تعارض العام والخاص المطلقين وأن الخاص هو قوله صلى الله عليه وآله علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل فلأن عموم ما دلّ على عدم جواز العمل بغير العلم معتضد بالشهرة هنا وقد ثبت أن العام إذا اعتضد بالشهرة لم يصلح الخاص لتخصيصه فتأمل ومنها أنه لو لم يجز تقليد المفضول مع وجود الأفضل لم يكن من جملة ورثة الأنبياء حينئذ والتالي باطل لعموم قوله صلى الله عليه وآله العلماء ورثة الأنبياء وفيه نظر لقصر الرّواية سندا أو دلالة ومعارضة لما بيّناه ومنها أصالة بقاء جواز تقليد المفضول لا يقال هذا إنما يتم فيما إذا عثر المقلَّد على المفضول قبل الأفضل لا مطلقا فيكون الدّليل أخصّ من المدعى لأنا نقول إذا جاز في هذه الصورة تقليد المفضول مع وجود الأفضل بحكم الأصل جاز مطلقا إذ لا قائل بالفرق بين هذه الصورة وغيرها على الظاهر ولا يقال يعارض ما ذكر بمثله فيقال إذا عثر المقلَّد على الأفضل قبل المفضول وجب عليه تقليد الأفضل فالأصل بقاؤه بعد عثوره على المفضول وكلّ من أوجب تقليد الأفضل في هذه الصورة أوجبه مطلقا ولا قائل بالفصل لأنا نقول وجوب تقليد الأفضل في الصورة المفروضة لا نسلم كونه وجوبا أصليا بل يحتمل أن يكون باعتبار انحصار من يصح تقليده فيه وحينئذ لا يمكن دعوى أصالة بقائه فتأمل ومنها أن المعهود من سيرة أكثر المسلمين الرّجوع إلى جميع العلماء المجتهدين وعدم تتبع الأعلم مع عدم إنكار واحد عليهم وقد تمسّك بهذا الوجه الحاجبي والعضدي وحكاه في النهاية والمنية عن جماعة وفي المسالك ذلك عن بعض فقالوا قد علم قطعا أن المفضولين في زمن الصحابة وغيرهم كانوا يفتون وقد اشتهر منهم ذلك وتكرر ولم ينكر أحد فدل على أنه جائز وأجاب عن هذا في النهاية والمنية عن جماعة وفي المسالك عن بعض فقالوا قد علم قطعه أن المفضولين في زمن الصّحابة وغيرهم فقالا وهذا ممنوع وفي المسالك واستفتاء الصّحابة مع تفاوتهم في الفضيلة لا يجري على أصول الأصحاب أقوال الصّحابة كما لا يخفى ومنها ما أشار إليه في المسالك فقال في مقام الاحتجاج لهذا القول لاشتراك الجميع في الأهلية ورده فيه فقال فيه نظر لمنع كون اشتراكهم في أصل الأهلية بالنظر إلى أنفسهم يقتضي تساويهم بالنظر إلى الغير وهل ذلك إلا عين الدعوى ومنها ما أشار إليه في المسالك من أن تعيين الأرجح للتقليد يتوقف على ترجيح العامي والعامي لا يمكنه الترجيح لقصوره فيكون تكليفه بتقليد الأعلم تكليفا بالمحال وفيه نظر لما ذكره في التهذيب والنهاية والمنية والمسالك وشرح الزبدة لجدي الصّالح رحمه الله وشرح المختصر للعضدي من أن معرفة الترجيح ليست مستحيلة من العامي لأنه يظهر بالتسامح من الناس ورجوع العلماء إليه وعدم رجوعه إليهم وغير ذلك وبالجملة كما له طرق إلى معرفة المجتهد كذلك له طرق إلى معرفة الأعلمية ومنها أنه لو وجب تقليد الأفضل لزم الحرج العظيم والتالي باطل فالمقدم مثله أما الملازمة فظاهرة وأما بطلان التالي فلعموم ما دل على نفي الحرج في الشريعة فتأمل ومنها إطلاق جملة من الأخبار منها ما رواه في الوسائل عن الطبرسي في الاحتجاج عن أبي محمد العسكري عليه السلام في قوله تعالى * ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ الله ) * قال هذه لقوم من اليهود إلى أن قال وقال رجل للصادق عليه السلام إذا كان هؤلاء العوام من اليهود