بالاحتياط أو بأمر آخر غير تقليد الميت ومع ذلك فيمكنهم رفع الحرج بالاشتغال بتحصيل الاجتهاد فالحرج الذي يكون سببه المكلَّف لا يوجب سقوط التكليف وقد أشار إلى ما ذكر جدي قدس سره فقال فإن قلت لو لم يجز تقليد الميّت وانحصر جواز التقليد في الحيّ لهلك الناس في العصر الذي لا يكون فيه مجتهدا والعصر الذي لا يصل يدهم إلى المجتهد وأنهم ما ذا يصنعون فثبت أن عدم جواز تقليد الميت باطل لأن مستلزم الباطل باطل قلت أولا ما تقولون لو لم يكن كتب الفقهاء موجودة أو كانت موجودة لكن لم يوجد من يفهم كتبهم إذ فهم كتبهم على وجه الصحّة لا يكاد يتحقق للفضلاء فضلا عن العوام ثم قال وأيضا ما تقولون في الوقائع الخاصّة الَّتي ليست مذكورة في كتب الفقهاء بخصوصها وغالب ما يحتاج النّاس إليه من هذا القبيل ولا يستنبط من الكتب ثم قال وأيضا العدالة مثلا أمر يحتاج إليها في غالب الأحوال فلو لم يكن العادل موجود أو لم يكن من يعرف حقيقة العدالة ومنافياتها أو لم يكن من يعرف العادل ما ذا يصنعون فيلزم من ذلك على ما ذكرتم أن لا يكون العدالة شرطا في الشرع معتبرا فيه على قياس ما قلتم في انحصار التقليد في الحي وكذا الحال بالنسبة إلى غير العدالة من الأمور التي يحتاج إليها شرعا إلى أن قال وأيضا حال فروع الدين ليس بأشد من حال أصول الدّين فما تقولون في حال الأقطار والأمكنة التي ليست فيها من يعلم أصول الدين مثل البوادي والقرى والجبال والأمصار الواقعة في بلاد الكفر أو الضّلالة ومنهم من فيهم من يعلم لكن لا يعلم إما خوفا أو مظنة أنهم لا يسمعون قوله أو لعدم مبالاتهم بالدين وبالجملة الواجبات الكفائية التي يجب على المكلَّفين استحصالها لانتظام دينهم ودنياهم في غاية الكثرة وأنّهم ربّما يهملون في التحصيل فيكونون مؤاخذين لتقصيرهم نعم منهم من ليس بمقصر فلا يؤاخذوا ما أنّهم ما ذا تصنعون فاللَّازم عليهم حينئذ بذل الجهد بحسب ما أمكنهم في تحصيل الاحتياط والعمل به ولا يجوز لهم غيره فعند تعدد الأقوال للمتبين يعمل بما هو أحوط وإن لم يكن قول أحد منهم لا أنه يقلَّد هذا إذا كان يتأتى الاحتياط وهو الأخذ بما هو أوثق وأما إذا لم يتأت الاحتياط فيه أو يكون قول واحد فاحتياطه حينئذ منحصر في العمل بقول الميّت كما إذا لم يكن هناك قول الفقيه الميّت بل يكون قول العامي والعمل بقولهم حينئذ ليس من باب التقليد كما أن عمل المجتهد بقول غير لا يكون تقليدا بل من باب الاجتهاد كأخذه بقول الموثقين والخارجين وقول الرّواة وقول اللغويين وقول الفقيه في بعض الأمكنة وغير ذلك وبين الاجتهاد والتقليد فرق واضح ومنها أنه لو لم يجز تقليد العالم الميّت لكان مساويا للجاهل الميّت في عدم جواز التقليد والتالي باطل لقوله تعالى * ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ ) * فالمقدم مثله وفيه نظر للمنع من شمول الآية الشريفة لمحل البحث سلمنا ولكن غايتها العموم ولا يجوز أن يتمسّك العامي به لإثبات جواز تقليد الميّت ولا المجتهد أمّا الأوّل فلأن غاية ما يستفاد من العموم الظن ولا يفيد القطع ومن الظاهر أن المقلَّد لا يجوز له التعويل على الظن بل التعويل عليه يختص بالمجتهد ففرض العامي في هذه المسألة الرجوع إلى المجتهد فإن جوّز له تقليد الميّت جاز له ذلك وإلا فلا وليس له التمسّك بالأدلة الظَّنية على جواز تقليد الميّت نعم إن تحقق له دليل قطعي على ذلك صحّ له الاعتماد عليه من غير رجوع إلى المجتهد ولكن تحقق هذا له في هذه المسألة بعيد في الغاية وأما الثاني فلأن العموم إنما يجوز التمسّك به حيثما لم يتحقق ما يصلح لتخصيصه وأما معه فلا ومحلّ البحث من هذا القبيل لأن الأدلة الدالة على عدم جواز تقليد الميّت تصلح لتخصيصه فتأمل ومنها أن أنبياء بني إسرائيل يجوز العمل بقولهم بعد موتهم فيلزم أن يكون علماؤنا كذلك لعموم المنزلة في قوله صلى الله عليه وآله في المرسل علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل وفيه نظر أما أولا فلأن العمل بقول أنبياء إسرائيل بعد موتهم ليس من باب التقليد لحصول القطع من قولهم ولا كذلك العلماء فلا يشمل عموم المنزلة لمحل البحث وأما ثانيا فلأن العموم إنما يصحّ التمسّك به حيث لم يعارضه ما هو أقوى منه أو يساويه وأما مع وجود أحد الأمرين فلا والعموم في محل البحث ممّا عارضه ما هو أقوى منه وهو ما دلّ على عدم جواز تقليد الميّت فلا يجوز التمسّك به وأما ثالثا فلما تقدم إليه الإشارة ومنها أن قول المجتهد الميّت يفيد الظن فيجب العمل به لعموم ما دلّ على حجية الظن وفيه نظر لأنّا نمنع من كلَّية الكبرى سلمنا ولكنه معارض بالظن المستفاد من قول المجتهد الحي وهو أولى بالترجيح لحصول البراءة اليقينية معه ولاعتضاده بما دل على عدم جواز تقليد الميّت لا يقال هذا إنما يتجه لو تساوى الظنان في نفس المسألة الشرعيّة وأما إذا فرض حصول الظن الأقوى من قول المجتهد الميت فلا بل يجب الأخذ به عملا بأقوى الظنين كما يجب الأخذ بقول المجتهد الحيّ إذا كان الظن المستفاد منه أقوى لذلك لأنا نقول التفصيل بلزوم الأخذ بأقوى الظنين منهما إن حصل والتوقف أو التخيير مع فقده خرق للإجماع المركب على الظاهر كما لا يخفى ومنها ما أشار إليه في الوافية من خبر أحمد بن أبي خلف قال كنت مريضا فدخل علي أبو جعفر عليه السلام يعودني في مرضي فإذا عند رأسي كتاب يوم وليلة فجعل يتصفحه ورقة ورقة حتى أتى عليه من أوّله إلى آخره وجعل يقول رحم الله يونس رحم الله يونس قال في الوافية والظاهر أن الكتاب كان كتاب الفتوى فحصل تقرير الإمام عليه السلام على تقليد يونس بعد موته ثم قال وأيضا روي بسنده عن داود بن القاسم أن أبا جعفر الجعفري قال أدخلت كتاب يوم وليلة الذي ألَّفه يونس بن عبد الرحمن على أبي الحسن العسكري عليه السلام فنظر فيه وتصفحه كله ثم قال هذا ديني ودين آبائي وهو الحق كلَّه فلو لم يجز العمل