الآية على تناول صورة النزاع لوجب التقليد وهو منفي إجماعا ثم قال وفيه نظر لأنا نمنع الإجماع على عدم وجوب التقليد مع عدم التمكن من الاجتهاد لضيق الوقت أو لغيره من الأعذار انتهى وفي هذا الجواب نظر لما تقدم ومنها ما أشار إليه في الإحكام فقال الجواب أن المراد بأولي الأمر الولاة بالنسبة إلى الرعية والمجتهدين بالنسبة إلى العوام بدليل أنه أوجب الطاعة لهم واتباع المجتهد للمجتهد وإن جاز عند الخصوم فغير واجب بالإجماع فلا يكون داخلا تحت عموم الآية الشريفة انتهى وقد يجاب أيضا عن هذه الحجة بالمنع من كون تقليد المجتهد طاعة له فلا يشمله الآية الشريفة سلمنا ولكن لا نسلم شمول أولي الأمر للمجتهدين لأن المتبادر منه عرفا السلطان العادل خصوصا في سياق الآية الشريفة ولأن إرادة المعنى اللغوي موجب لتخصيص العام إلى الأقل من النّصف وهو باطل فيعين أن يكون المراد من ذكر وليس هو إلَّا الإمام المعصوم عليه السلام ومن الظاهر أن العمل بقوله عليه السلام ليس تقليدا بل هو عندنا كالعمل بقول النبي صلى الله عليه وآله سلمنا ولكن عموم الآية الشريفة معارض بالعمومات المانعة عن العمل بغير العلم من الكتاب والسّنة والتعارض بينهما من قبيل تعارض العمومين من وجه ومن الظاهر أن الترجيح مع العمومات ولئن تنزلنا فلا أقل من التوقف ومعه يسقط الحجة المذكورة كما يخفى ومنها ما أشار إليه في النهاية أيضا فقال احتج المخالف بقوله تعالى * ( فَلَوْ لا نَفَرَ ) * الآية أوجب الحذر عند إنذار الفقيه مطلقا فيتناول العالم كالعامي انتهى وفيه نظر وأجاب عن ذلك في الكتاب المذكور فقال الجواب أن الآية دالة على وجوب الحذر عند إنذاره لا عند كل إنذار ونحن نقول بالأول فإنا نوجب العمل بروايته ثم قال وفيه نظر لأن الإنذار عقيب التفقه إنما يفهم منه الإفتاء ومنها ما أشار إليه في النهاية أيضا فقال احتج المخالف بأنه حكم يسوغ فيه الاجتهاد فجاز لغير العالم كالعامي بجامع وجوب العمل بالظن المستند إلى قول الغير انتهى وضعف هذه الحجة ظاهر وأجاب عنها في النهاية فقال الجواب بالفرق فإن العامي عاجز فجاز له التقليد بخلاف العالم ومنها ما أشار إليه في النهاية أيضا فقال احتج المخالف بالإجماع على قبول خبر الواحد عن المجتهد بل عن العامي ووجوب عمل المجتهد اعتمادا على عقله ودينه وهنا قد أخبر المجتهد عن منتهى اجتهاده بعد بذل الجهد فجواز العمل به أولى ثم أجاب عن هذا الحجة فقال الجواب أن المفتي ربما بنى اجتهاده على خبر الواحد فإذا تمسّك به المجتهد أولا كان فيه الغلط أقل مما إذا قلَّد غيره ثم قال وفيه نظر إذ قد يكون اجتهاد المفتي أقوى من اجتهاده أو مساويا أو أضعف انتهى ومنها ما أشار إليه في النهاية أيضا فقال احتج المخالف بأنه إذا ظن المجتهد العمل بفتوى مجتهد آخر فقد ظنّ أن حكم الله تعالى ذلك فيحصل ظن العقاب بترك العمل فيجب العمل دفعا للضرر المظنون انتهى وهذه الحجة في غاية الضعف وأجاب عنها في النهاية والأحكام ففي الأول الجواب أن مجرد الظن يجب العمل به إذا لم يصرفنا عنه دليل سمعي وما ذكرناه من الأدلة السّمعية توجب العدول عنه وفي الثاني الجواب عن المعقول أنه لو اجتهد وأداه اجتهاده إلى حكم لم يجز له تقليد غيره في خلاف ما أدّى إليه اجتهاده إجماعا فلو جاز له التقليد مع عدم الاجتهاد لكان ذلك بدلا من اجتهاده والبدل دون المبدل والأصل أن لا يجوز العدول إلى البدل مع إمكان تحصيل المبدل مبالغة في تحصيل الزيادة من مقصوده اللهم إلا أن يرد نصّ بالتخيير يوجب إلغاء الزيادة من مقصود المبدل أو نصّ بأنه يدل عند العدم لا عند الوجود كما في بنت مخاض وابن لبون عن خمس وعشرين من الإبل فإن وجود بنت مخاض يمنع من أداء ابن لبون ولا يمنع ذلك عند عدمها والأصل عدم ذلك النصّ كيف وأن ما ذكره معارض بقوله تعالى * ( ومَا اخْتَلَفْتُمْ فِيه مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُه إِلَى الله ) * وقوله تعالى * ( اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ) * وقوله تعالى * ( ولا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِه عِلْمٌ ) * وبقوله عليه السلام اجتهدوا فكل ميسّر لما خلق له وتقليد العالم للعالم يلزم منه ترك الاعتبار وترك العمل بحكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وترك ما أنزل واقتفاء ما لا علم به وترك الاجتهاد المأمور به وهو خلاف ظاهر النّص وإذا تعارضت الأدلة سلم لنا ما ذكرناه أولا انتهى ومنها الاستصحاب وتقريره هنا أن المجتهد المفروض قبل بلوغه مرتبة الاجتهاد كان مقلدا لغيره في المسألة التي لم يجتهد فيها وفي المسألة الَّتي اجتهد فيها وكان ممن يجوز له العمل بقوله غيره فيهما وإذا بلغ تلك المرتبة حرم عليه التقليد في المسألة التي اجتهد فيها وبطل حكم الاستصحاب بالنسبة إلى هذه المسألة بالدليل الأقوى وأما المسألة التي لم يجتهد فيها فلا دليل على حرمة التقليد ولزوم العمل بقول الغير وترك ما كان عليه سابقا فيها فيجب البقاء على ما كان عليه من التقليد والعمل بقول الغير عملا باستصحاب ما ثبت له أولا ولا معارض له هنا لا من كتاب لعدم دلالة شيء منه على وجوب الاجتهاد في المسألة المفروضة وما استدل الخصم به منه ضعيف كما عرفت ولا من سنة لعدم دلالة رواية معتبرة بل مطلقا على ذلك كما لا يخفى ولا من إجماع فإن المسألة خلافية ولا من دليل العقل وما تمسّك الخصم به منه ضعيف لا ينهض حجة كما بيّناه نعم الأصل عدم جواز التقليد ولكنه قد ارتفع بعد اختياره التقليد وجوازه له قبل الاجتهاد فيجب التمسّك بالاستصحاب وهو أقوى من الأصل المذكور كما لا يخفى لا يقال لا نسلم عدم المعارض فإن الظاهر اتفاق الشيعة الاثني عشرية على عدم جواز التقليد للمجتهد المفروض لأن جماعة منهم تقدم إليهم الإشارة صرّحوا بذلك من غير تأمّل ولا ريبة ولا نقل خلاف عن أحد منهم وذلك يدل على ما ذكر خصوصا مع عدم وجود الخلاف ومخالفة جماعة من العامة بل جميعهم غير قادحة