به كالظلم والكذب فهو ممنوع ولا دليل عليه سلمنا ولكن القبيح بالذات قد يتصف بالحسن بالعرض كالكذب النافع في بعض الوجوه فلم لا يجوز أن يكون التقليد باعتبار الاضطرار إليه من هذا القبيل على أن اتصاف التقليد بالقبح إنما هو لأجل كونه لا يفيد العلم ويحتمل معه الخطاء والمفسدة وهذا بعينه جار في الاجتهاد الَّذي أوجبه القائلون بعدم جواز التقليد بل فيه أقول كما صرّح به في النهاية والأحكام كما لا يخفى فما وجه الترجيح بل هو مع التقليد لقيام الأدلة القاطعة على جوازه وبها يحكم بعدم صلاحية احتمال الخطاء والمفسدة للمنع كما يحكم بالأدّلة القاطعة على جواز قبول شهادة العدلين والاحتمال على ظاهر يد المسلم ونحوهما بعدم صلاحيّة احتمال الخطاء والكذب والمفسدة للمنع من الأمرين وقد أشار إلى هذا في الذريعة والمعارج وممّا يعضد ما ذكرنا تقرّر عند العقلاء من أن الشّر القليل يجوز ارتكابه لجلب الخير الكثير فتدبر منها ما تمسّك به المانعون من التقليد على ما حكاه عنهم في الذريعة والمعارج والنهاية من أنه لو جاز التقليد في مسائل فروع الدين لجاز في مسائل أصول الدّين كالتوحيد والعدل والنبوة والتالي باطل فالمقدم مثله أما الملازمة فلأن المقتضي لجواز تقليد في الفروع ليس إلا حصول أمارة توجب للظن صدق المفتي والعمل بالظن واجب وهذا المقتضي ثابت هنا فيثبت الاكتفاء بالفتوى في الأصول وأما بطلان التالي فللزوم تحصيل العلم بالمسائل الأصولية وفيه نظر أما أولا فلأنه مشترك الورود لأنا نقول لو جاز الاجتهاد الذي تقولون به في الفروع لجاز مثله في الأصول والتالي باطل للزم تحصيل العلم فيها فالمقدم مثله فما هو جوابكم عن هذا فهو جوابنا وأما ثانيا فللمنع من بطلان التالي وقد صار جماعة من المحققين من الإمامية إلى جواز التقليد في الأصول ومنهم الشيخ في العدّة وقد أجاب عن الحجة المذكورة وأما ثالثا فللمنع من الملازمة لوجهين أحدهما ما أشار إليه بعض الأصحاب ففي الذريعة في مقام دفع الحجة المذكورة وأما حمل الأصول على الفروع في جواز التقليد فغير صحيح لأن تقليد المستفتي للمفتي إنما جاز لأن له طريقا إلى العلم بحسن ذلك ووجوبه وإنما يكون له إليه طريق لعلمه بالأصول ولو لم يكن عالما به لما جاز أن يعلم حسن هذا التّقليد والتقليد في الأصول غير مستند إلى طريقة علم تقدمت يؤمن بها من الإقدام على القبيح كما استند التقليد في الفروع إلى ذلك وأما قولهم إذا أمكن أن يعلم الأصول وهي أغمض فلا بد من أن يكون متمكَّنا من العلم بأحكام الفروع فغلط لأن العلم بالأصول من التوحيد والعدل وما يلحق بهما يمكن أن يعلم على جهة الجملة من أخصر الوجوه وأقر بها وإنما طول المتكلمون في ذلك طلبا للتفريع والتدقيق وإلا فالعلم على سبيل الجملة قريب جدّا وإنما يحتاج إلى الفكر الطويل عند دخول الشبهة القادحة والعامي إذا عرضت له شبهة لا يعلم قدحها فيما هو معتقد له وعالم به إلا وهو متمكن من حلها ومعرفة ما يبطلها وإن كان غير متمكن من ذلك لقصور فطنة فهو أيضا لا يعلم قدح الشبهة فيما أعتقده فلا يؤثر في حاله وحوادث الشرع الَّتي لا تنحصر ولا تنضبط لا يكفي فيها العلم بالجملة ولا بد في كل مسألة منها من علم يخصّها فالعامي لا يجوز أن يتمكن من العلم بتفصيل أحكام كل الحوادث الَّتي حدثت وستحدث من حيث تمكن من العلم بالأصول على طريق الجملة وقد فرقنا بين هاتين المسألتين في مواضع من كتبنا وهذا قدر كان هنا وفي المعارج بالفرق بين المسألتين يتشعب مسائل الفقه وكثرة أدلتها وسهولة أدلة الكلام وقلتها وثانيهما ما ذكره جماعة ففي العدّة فإن المقلَّد في الأصول يقدم على ما لا يؤمن أن يكون جهلا لأن طريق ذلك الاعتقاد والمعتقد لا يتغير في نفسه عن صفة إلى غيرها وليس كذلك الشرعيات لأنها تابعة للمصالح ولا يمتنع أن يكون من مصلحتهم تقليد العلماء في جميع تلك الأحكام وذلك لا يتأتى في أصول الديانات وفي المعارج بعد ما حكيناه عنه سابقا وبأن العقليات الغرض فيها الاعتقاد فلا يبنى إلا على العلم والشرعيات يجوز فيها التعويل على الظنون عند الدلائل الدالة على اشتمالها على المصلحة وفي النهاية في مقام دفع الحجة المذكورة والجواب بما تقدم من الفرق بين ما يطلب فيه العلم وما يطلب فيه الظن ومنها ما تمسّك به المانعون من التقليد على ما حكاه عنهم في المعارج من العمومات المانعة عن العمل بغير العلم نحو قوله تعالى * ( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) * وقوله تعالى * ( وأَنْ تَقُولُوا عَلَى الله ما لا تَعْلَمُونَ ) * وقوله تعالى * ( ولا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِه عِلْمٌ ) * لأن التقليد عمل بما لا يفيد العلم وقول بغير المعلوم وفيه نظر أما أوّلا فلاختصاص تلك العمومات بما لم يقم الدليل القطعي على اعتباره وأما ما قام الدليل القطعي على اعتباره كالتقليد الذي هو محل البحث فلا تشمله إما لأن موردها الأول أو للزوم تخصيصها به لا يقال هذه العمومات لا يجوز تخصيصها لقطعيتها سندا ودلالة لأنا نقول هذا باطل قطعا لأنا نجد أنها قد خصّت في مواضع كثيرة وقد أشار إلى هذا في المعارج والنهاية في الأوّل والجواب عن الآيات أن نقول خص منها العمل بشهادة الشاهدين واستقبال جهة القبلة مع الظن عند عدم العلم والظن بأروش الجنايات وقيم المتلفات وإنما خص لوجود الدلالة كذا هنا وفي الثاني والجواب النقض بالظنون التي يجب العمل بها كالأمور الدنيوية وقيم المتلفات وأروش الجنايات وخبر الواحد والقياس إن جوّزوا العمل بهما وينتقض بالشهادة بهما وأما ثانيا فلما