لا خصوص المحلّ فتأمل ولا يقال ليس فيما ذكر لفظ عام حتى يشمل محل البحث لأنا نقول لا يشترط في الشمول اللفظ العام بل الإطلاق يكفى فيه فإن المطلق كثيرا ما يفيد العموم ولا ريب في وجوده على أنه قال المقدس الأردبيلي رحمه الله في زبدة البيان وتنكير النبإ والفاسق يدل على العموم أي إذا جاءكم أيها المؤمنون أي فاسق كان بأيّ خبر كان فتوقفوا فيه واطلبوا بيان الأمر وانكشاف الحق ولا تعتمدوا قول الفاسق ولا تعلوا به فإن الفسق مانع ويمكن أن يستدل بمنطوقها على عدم جواز قبول خبر الفاسق انتهى ولا يقال إن إطلاق الفاسق ينصرف إلى الفرد المتبادر منه وهو غير المرتكب للصغيرة لأنا نقول لا نسلم تبادر هذا والأصل بقاء الإطلاق على حاله ولا يقال غاية ما يستفاد مما ذكر عدم جواز الاعتماد على ما يسمى بنبإ الفاسق ولا دلالة فيه على عدم جواز الاعتماد عليه في شهادته فإن الشهادة لا يسمى نبأ لأنا نقول هذا فاسد فإن الشهادة نبأ لغة كما صرّح به في كنز العرفان ولا يقال يعارض ما ذكر عموم ما دل على قبول الشهادة وخروج من كان مرتكبا للكبائر منه لا يقدح في حجيته لأنا نقول ذلك لا يصلح للمعارضة لأن ما ذكر أخصّ منه فيجب تقديمه فتأمل ولا يقال غاية ما يلزم مما ذكر هو لزوم الحكم بتوقف قبول الشهادة والخبر على اجتناب جميع المعاصي فلا يثبت توقف العدالة عليه مطلقا حتى في الاقتداء ونحوه مما هو مشروط بالعدالة لأنا نقول هذا باطل فإنه إذا ثبت توقف العدالة على ذلك في موضع خاص ثبت مطلقا إذ لا قائل بالفصل على الظاهر فتأمل الثاني عموم قوله تعالى * ( ولا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) * والمراد بالركون على الظاهر هو مطلق الاعتماد كما يظهر من القاموس ومجمع البيان ومجمع البحرين فإنّهم فسّروا الركون إلى الشيء بالميل والسّكون والاطمئنان والانصباب إليه والاعتماد عليه لا يقال هذا يتوقف على صدق الظالم على كل فاسد حقيقة وهو ممنوع لأنا نقول هذا المنع في غير محلَّه لأنه صرّح في المعتبر والمنتهى ونهاية الأحكام بأنّ الفاسق ظالم وقد استدل فيها كما في الانتصار والغنية والذكرى على اشتراط عدالة الإمام بالآية المذكورة وفي مجمع البحرين الظالم من يتعد حدود الله بدليل قوله * ( ومَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ الله فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) * وفي الحديث ألا وإن الظلم ثلاثة ظلم لا يغفر وظلم لا يترك وظلم مغفور لا يطلب فأما الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله وأما الظلم الذي يغفر فظلم العبد نفسه عند بعض الهنات يعني الصغيرة من الزلات وفي القاموس الظلم بالضم وضع الشيء في غير موضعه ولا يقال لا نسلم عموم الآية الشريفة بحيث يشمل محل البحث فإنه قد حكي في مجمع البيان عن جماعة من المفسرين تفسير الآية الشريفة بصور خاصة وببعض الظلمة لأنا نقول منع عموم الآية الشريفة ودعوى تخصيصها بما عدا محل البحث مما ذكر فاسد لأن الأصل لزوم حملها على ظاهرها ولا معارض له سوى ما ذكر وهو لا يصلح له كما لا يخفى ويؤيّد ما ذكر ظهور بناء كثير من الأصحاب على عموم الآية الشريفة ولا يقال الظلم وإن وضع لما يعم كل معصية إلا أن إطلاقه ينصرف إلى بعض أفراد المعاصي فلا تفيد الآية الشريفة العموم وعموم قوله تعالى * ( الَّذِينَ ) * لا يمنع من الانصراف المذكور بناء على التحقيق من أن عموم الموصول بقدر ما يفيده ظاهر الصلة لأنا نقول ما ذكر لا يصح الاعتماد عليه إما لأن عموم الموصول يمنع من انصراف صلته إلى بعض الأفراد وإن كان شائعا كما عليه بعض المحققين أو لأن معظم الأصحاب على أن الآية الشريفة محمولة على العموم فتأمل الثالث عموم ما دل على نفي المساواة بين الفاسق والمؤمن وهو قوله تعالى * ( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) * وقد استدل به في الإيضاح على كون العدالة شرطا في الشاهد ومنها أن لفظ العدالة حقيقة في اجتناب جميع المعاصي لا غير فيجب حمل إطلاقه وإطلاق ما يشتق منه عليه أما المقدمة الأولى فلوجهين أحدهما أنه المتبادر منه عند الإطلاق والأصل في التبادر أن يكون علامة الحقيقة وعدمه علامة المجاز وثانيهما أنه لا يصح سلبه عمن اجتنب جميع المعاصي ويصح سلبه عمن صدرت منه معصية مطلقا و الأصل في صحة السلب أن يكون علامة المجاز وفي عدمها أن يكون علامة الحقيقة وأما المقدمة الثانية فلما تقرّر من أصالة وجوب حمل اللفظ المجرد عن القرينة على معناه الحقيقي عند الإطلاق وفيه نظر لأن غاية ما يستفاد مما ذكر في بيان المقدمة الأولى كون اللفظ المذكور حقيقة في ذلك في عرفنا وهو لا يستلزم أن يكون في عرف المعصومين عليهم السلام كذلك وأصالة عدم النقل لا يجوز التمسك بها هنا لمعارضتها بمثلها لظهور أن المعنى المذكور غير معناه اللغوي على أنا نمنع من ثبوت الحقيقة العرفية فإن أهل عرفنا لا يفهمون معنى اللفظ المذكور والشاهد عليه أنهم كثيرا ما يستفسرون عن معناه ولو كان اصطلاحهم مستقرا على شيء لما استحسن ذلك الاستفسار منهم كما لا يحسن منهم الاستفسار عن معنى لفظ الصّلاة ونحوه وأما التمسك بالتبادر وصحة السلب هنا فغير وجيه فتأمل لا يقال لو سلم وجوب حمل اللفظ المذكور على معناه اللغوي في خطاب الشّرع لوجب الحكم بدلالة إطلاقه على لزوم الاجتناب عن جميع المعاصي إما لأن إطلاقه ينصرف إليه كانصراف إطلاق لفظ الغسل إلى الغسل بالماء أو لأن إرادة العدالة من جهة خاصة يقتضي الإجمال والأصل