الأحوال متساويا وأما في الشريعة فهو كل من كان عدلا في دينه وعدلا في مروته وعدلا في أحكامه فالعدل في الدين أن لا يخل بواجب ولا يرتكب قبيحا وقيل لا يعرف بشيء من أسباب الفسق وفي المروة أن يكون مجتبنا للأمور التي تسقط المروة مثل الأكل في الطرقات ولبس الثياب المصبغات للنساء وما أشبه ذلك والعدل في الأحكام أن يكون بالغا عاقلا ومنها ما صار إليه الشيخ في النهاية فقال العدل الذي يجوز قبول شهادته للمسلمين وعليهم هو أن يكون ظاهره ظاهر الإيمان ثم يعرف بالستر والصّلاح والعفاف والكفّ عن البطن والفرج واليد واللسان ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار ويكون ساترا لجميع عيوبه ويكون متعاهدا للصلوات الخمس مواظبا عليهنّ حافظا لمواقيتهن على حضور جماعة المسلمين من غير تخلف عنهم إلا لمرض أو علَّة أو عذر ومنها ما صار إليه الشيخ في العدة فقال أما العدالة المراعاة في ترجيح أحد الخبرين على الآخر فهو أن يكون الراوي معتقدا للحق مستبصرا ثقة في دينه متحرزا عن الكذب غير متهم فيما يرويه ومنها ما أشار إليه في البحار فقال الأشهر في معناها أن لا يكون مرتكبا للكبائر ولا مصرّا على الصغائر والظاهر من صاحب الكفاية المصير إليه ومنها ما صار إليه في المختلف والقواعد والإرشاد والتحرير وتهذيب الأصول ونهاية الأصول والمنية والدروس والذكرى والتنقيح والروضة والروض وجامع المقاصد والمعالم والرياض من أنها هيئة وملكة وكيفية راسخة في النفس تبعث على ملازمة التقوى والمروة وزاد في التحرير والمنية والذكرى وجامع المقاصد والروضة والرياض فقالوا يحصل بالامتناع عن الكبائر وعن الإصرار على الصغائر والإكثار منها انتهى وحكي هذا التعريف في المدارك والذخيرة عن المتأخرين وفي مجمع الفائدة هو المشهور في الفروع والأصول وفي كشف اللثام تعريفها بين العامة والخاصة في الفروع والأصول مشهور بذلك انتهى وعزاه في التنقيح إلى الفقهاء وظاهره اتفاق جميع أصحابنا عليه ولا بعد فيه لإمكان تنزيل الأقوال المتقدمة عليه وممّن صرّح من العامة بالتعريف المذكور الحاجبي والعضدي والغزالي فيما حكي عنه ويظهر من الأحكام المصير إليه والتحقيق عندي أن يقال إن لفظ العدالة إذا ورد في خطاب الشارع والمعصوم عليه السلام وجب حمله على معناه اللغوي وهو على ما في المبسوط والسرائر أن يكون الإنسان متعادل الأحوال متساويا وعلى ما في المدارك الاستواء والاستقامة وعلى ما في الإحكام التوسط في الأمور من غير إفراط في طرف الزيادة والنقصان قال ومنه قوله تعالى * ( وكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ) * أي عدلا والوسط والعدل بمعنى واحد ثم قال وقد يطلق في اللغة ويراد به المصدر المقابل للجور وهو إنصاف الغير بفعل ما يجب له وترك ما لا يجب والجور في مقابله وقد يطلق ويراد به ما كان من الأفعال الحسنة يتعدى من الفاعل إلى غيره ومنه يقال للملك المحسن إلى رعيته عادل انتهى فيكون المعنى اللغوي هو متعلق الخطاب ومناط الحكم الشرعي لأنه المعنى الحقيقي وقد تقرر أن الخطاب الشرعي يجب حمله على معناه حيثما تجرد عن القرينة لا يقال هذا حسن لو لم يثبت نقل اللفظ المذكور عن المعنى اللغوي وأما معه فلا لأن المعنى المنقول إليه معنى حقيقي أيضا ومن الظاهر أن اللفظ المذكور قد صار منقولا عن المعنى اللغوي إلى معنى آخر لظهور كلام المحققين من الخاصة والعامة فيه لأنا نقول لا نسلم ثبوت النقل في زمن صدور الخطاب المفروض بل ينبغي الحكم بعدمه لأن الأصل تأخّر الحادث وحينئذ يجب الحكم بوجوب حمل اللفظ المذكور على معناه اللغوي لانحصار معناه الحقيقي حال صدور الخطاب المفروض فيه وبالجملة مجرد النقل عن المعنى اللغوي لا يقدح في حمل اللفظ عليه وهو واضح نعم إن ثبت نقل اللفظ المذكور إلى خلاف معناه اللَّغوي في زمن صدور الخطاب وثبت كون المعنى الثاني هو المعنى الحقيقي عند من صدر منه الخطاب لم يجز الحكم بوجوب حمل الخطاب المفروض على معناه اللغوي لأن الواجب حمل الخطاب المجرد عن القرينة على ما هو معنى حقيقي له حال الخطاب وعند المخاطب لا مطلقا ولكن ذلك غير معلوم لعدم الدليل عليه بل أصالة تأخر الحادث تقتضي عدمه لا يقال المستفاد من كلام جملة ممن تقدم إليه الإشارة ثبوت صيرورة اللفظ المذكور منقولا عن معناه اللغوي إلى غيره في زمن صدور الخطاب المفروض لأن قولهم العدالة في الشريعة وشرعا في مقابلة المعنى اللغوي يدل على ذلك مضافا إلى ظهور كون القصد في التعرض لتعريف اللفظ المذكور بيان ما ثبت كونه معنى حقيقتا له في زمن صدور الخطاب وكلام هؤلاء وأخبارهم حجة ولا يقصران عن كلام نحو الجوهري وسيبويه وأخبارهما في المسألة اللغوية لأنا نقول لا نسلم ذلك ونمنع من دلالة قولهم في الشريعة وشرعا على ذلك ونمنع أيضا من كون القصد في التعرض لذلك بيان ذلك لاحتمال كون القصد بيان ما اصطلحوا عليه كما في تعريف المعاملات كالبيع والصلح والإجارة لعدم ثبوت الحقيقة الشرعية فيها وربما يستفاد هذا من كلام الآمدي ومن جماعة منهم المقدس الأردبيلي رحمه الله فإنه قال لا بد من بيان كون العدالة ما هي فنقول وما يعرف لها معنى شرعيا منقولا عن الشارع وما ذكر في كلام البعض فيحتمل أن يكون اصطلاحا منقولا عن الشرع والعرف فلم يكن حجة نعم مناسب للمعنى اللغوي وهو الاستقامة وعدم الميل إلى جانب لأن الفاسق