إليها تخصيصات كثيرة خارجة عن الحصر والضبط ومثل هذا العموم لا يليق بكلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وآله لأنه كذب والكذب على الله تعالى محال وأما العام في موضع التخصيص منه قليلا جدا فذلك جائز لأن إطلاق لفظ الاستغراق على الأغلب مشهور في كلام العرب فيثبت أن حمل اللفظ على العموم غير جائز والوجه الثالث ما روي عن عمر قال خرج رسول الله صلى الله عليه وآله من الدنيا وما سألنا عن الربا ولو كان هذا اللفظ مفيدا للعموم لما قال ذلك فعلمنا أن هذه الآية من المجملات والوجه الرابع أن قوله تعالى * ( وأَحَلَّ الله الْبَيْعَ وحَرَّمَ الرِّبا ) * يقتضي أن يكون كل بيع حراما لأن الرّبا هو الزيادة ولا بيع إلا ويقصد به الزيادة وأول الآية أباح وآخرها حرم الجميع فلا يعرف الحلال من الحرام من هذه الآية فكانت مجملة ووجب الرجوع في معرفة الحلال والحرام إلى بيان رسول الله صلى الله عليه وآله انتهى ومنها أنه يحتمل أن يكون قوله تعالى * ( وأَحَلَّ الله الْبَيْعَ وحَرَّمَ الرِّبا ) * من تمام كلام الكفار كما أشار إليه الرازي وغيره قال الأول يحتمل أن يكون هذا الكلام من تمام كلام الكفار والمعنى أنهم قالوا البيع مثل الربا ثم إنكم تقولون * ( وأَحَلَّ الله الْبَيْعَ وحَرَّمَ الرِّبا ) * فكيف يعقل هذا المعنى فإنهما لما كانا متماثلين فلو أحل أحدهما وحرم الآخر لكان إيقاعا للتفرقة بين المثلين وذلك غير لائق بحكمة الحكيم فقالوا أحل الله البيع وحرم الربا ذكره الكفار على سبيل الاستبعاد انتهى وحينئذ لا يتجه الاستدلال إذ قول الكفار ليس بحجة ومنها أنه يحتمل صيرورة لفظ البيع حقيقة شرعية في معنى خاص كلفظ الصلاة بل هو الظاهر فإن المستفاد من تعريف الأصحاب له نقله عن المعنى اللغوي إلى معنى خاص وحينئذ لا يصح الحكم بأصالة صحة كل ما يسمى بيعا لغة وعرفا وهو واضح ومنها أن غاية الآية الشريفة الإطلاق فلا ينصرف إلا إلى الغالب وأما غيره فلا بد فيه من الرجوع إلى أصالة الفساد فلا يصح دعوى أصالة الصحة بالنسبة إلى كل ما يسمى عرفا بيعا كما أشار إليه جدي قدس سره ومنها أن غاية ما يستفاد منها جواز مطلق البيع لأنه معنى كون البيع حلالا وهو لا يستلزم الصحة بمعنى ترتب أثر المعاملة وانتقال الملك كما أن حرمة البيع لا يستلزم فساده بمعنى عدم ترتب أثره وبالجملة المستفاد منها الإباحة بمعنى عدم المؤاخذة على الفعل وهو غير الصحة فلا تدل على صحة البيع كما أشار إليه جدي قدس سره فقال إذا أردنا إثبات صحة بيع من عموم * ( أَحَلَّ الله الْبَيْعَ ) * فلا شك أن إثباتها يتوقف على عدم تحقق نهي من الشارع عن الذي يراد إثبات صحته لا بعنوان الخصوص ولا بعنوان العموم وإنما قلنا عدم تحقق نهي من الشارع لأن الفقهاء منهم من يقول بأن النهي في المعاملات يقتضي الفساد وهم الأقلون فالمعاملة المنهي عنها فاسدة عندهم البتة وأما القائلون بعدم اقتضائه الفساد فيها وهم الأكثرون فإنهم يقولون بذلك فيما إذا ثبت صحته من دليل لا ينافيه النهي أيضا ولا يضاده التحريم فإذا لم يثبت صحته أصلا لم يكن صحيحا مع قطع النظر عن ورود النهي فكيف إذا ورد النهي عنه إذ لا شك في فساد مثله عندهم لما عرفت وكذا إذا ثبت صحته من خصوص مثل * ( أَحَلَّ الله الْبَيْعَ ) * و * ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) * وإلا أن تكون تجارة عن تراض منكم لأن الحلية تنافي النهي والحرمة وكذا وجوب الوفاء وكذا استثناء قوله * ( إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) * لأنه استثناء عن النهي والحرام فظهر أن النهي في مثل ذلك أيضا يقتضي الفساد عندهم بلا شك ولا شبهة إذ النهي يقتضي خروج ذلك عن العمومات عندهم كما لا يخفى على المطلع بأقوالهم وطريقتهم فإنهم صرّحوا بأن الأحكام الخمسة متضادة وأن اجتماع الضدين في الحكم الواحد من المحالات عندهم وإن تعددت الجهة والحيثية وظهر ذلك التعدد مع أنه ربما لا يظهر ذلك فيما نحن فيه فتدبر نعم لو كانت الصحة ثابتة من غير أمثال العمومات المذكورة فالنهي لا يقتضي الفساد لأن الصحة عبارة عن ترتب أثر شرعي فلا ينافي ذلك النهي والحرام لأن الحرام كثيرا ما يترتب عليه الآثار الشرعية انتهى ومنها أن غاية الآية الشريفة الإطلاق وهو إنما يفيد العموم ويثبت أصلا كليّا إذا لم يرد في بيان حكم آخر وأما إذا ورد في هذا المورد كإطلاق الآية الشريفة لظهور سياقها في أن المقصود بيان رد ما فهمه الكفار من عدم التفرقة بين البيع والربا فلا يفيد ذلك لما بيّناه فيما سبق ومنها أن قوله تعالى * ( أَحَلَّ ) * صيغة ماض فلعله إخبار عن الحكم بالحلية في الأديان السابقة ومنها أن إطلاق البيع على تقدير إفادته العموم إنما ينصرف إلى الأفراد المتحققة حين صدور الخطاب فلا يشمل ما تحقق بعدها وفي جميع الوجوه المذكورة نظر أما الأول فلأن المفرد المعرف باللام وإن لم يكن موضوعا للعموم كما هو التحقيق إلا أنه في بعض المقامات يحمل عليه لوجوه سبق التنبيه عليها ومنه محل البحث كما لا يخفى وأما الثاني فلأنه إذا سلم كون قوله تعالى * ( وأَحَلَّ الله الْبَيْعَ ) * مفيدا للعموم فيكفي ذلك لإثبات أصالة صحة كل بيع ومجرد أضعفية دلالته من دلالة ألفاظ الجمع في إفادة العموم لا يقدح وإلا لكانت صيغ الجمع غير صالحة للعموم لأنها أضعف دلالة من بعض الألفاظ الموضوعة للعموم ودعوى لزوم تخصيص الأفراد على تقدير الحمل على العموم ممنوعة ولو سلمت فلا ضير فيه بعد كون الأصل الحمل على الأقرب إلى العموم بعد تعذّره وظهور القرينة على خروج أكثر الأفراد لا يقال قد ثبت أن تخصيص العام إلى الأقل من النصف غير جائز لأنا نقول ذلك مسلم في الألفاظ الموضوعة للعموم وأما المحمولة عليه باعتبار الوجوه الخارجية عن الوضع كالوجوه المتقدمة