السّيد الأستاذ فإنه قال بعد ما نقلناه عنه سابقا و لأن العلماء قديما و حديثا يطالبون بأدلَّة المشهورات أصولا و فروعا و يتوقفون عن الحكم بالمشهور عند عدم الظفر بالدليل و لو كانت الشهرة حجة لسقط الطلب و امتنع التوقف لمقارنة الدّليل حينئذ للمدلول و المعلوم من حال الفقهاء و الأصوليين في جميع الأعصار خلاف ذلك و ربّما يتفق لبعضهم الاستدلال بالمشهور و الأشهر مع وجود الحجة من غيره كما اتفق للعلامة في مسألة تجديد الرّضاع بالعدد مع التصريح بخلافه في موضع آخر و هو مبني على التسامح بجعل المؤيد دليلا و مثله كثير في كلام الفقهاء و مثله احتجاجهم في بعض المواضع بمجموع أمور لا يبلغ كلّ منها حدّ الحجيّة و يشترط في هذا النّوع إفادة المجموع للقطع إلا إذا كان في البعض إشعار من جهة اللَّفظ بناء على حجيّة الإشعار إذا اعتضد بغيره و إن لم يبلغ حد القطع انتهى الخامس أنّهم منعوا من كون الشّهرة إجماعا و لو كانت حجّة لم يكن لهذا المنع فائدة السّادس أن جماعة من المحققين العدول أخبروا بأن المشهور عدم حجيّة الشهرة و من البيّن أنهم لا يقولون إلا عن ثبت و تحقيق لأنا نقول الوجوه المزبورة لا تنهض لإثبات ذلك أما الأول فللمنع من الملازمة المزبورة خصوصا مع ملاحظة عادتهم من عدم استقصائهم جميع أدلة المسألة على أنا نقول لعلَّهم يكتفون بالإشارة إليها عند ذكر الأقوال في المسألة و هي ممّا جرت به عادتهم و استمرت عليه طريقتهم و من تتبع كتبهم و رأى أن حرصهم في جمع الأقوال و أربابها و الإشارة إلى ما هو المشهور في الغاية القصوى و المرتبة العليا و لو جعل هذا من الشّواهد على أن الشهرة عندهم حجة لم ينكر و ممّا يؤيّد هذا أمور الأول عدم اجترائهم على مخالفة الشهرة إذا لم يظهر لها مخالف أو ظهر و كان نادرا في الغاية مطلقا و لو مع وجود الخبر الدّال على خلافها الثاني اعتذار الشّهيد فيما حكي عنه عن الجمع الَّذين يدعون الإجماع في المسائل الشّرعية بأن المراد من الإجماع الشّهرة أو عدم ظهور الخلاف إذ من الظاهر أن أولئك إنما يدعون الإجماع في مقام الاستدلال به الثالث أنه لو كان المشهور عدم حجّية الشّهرة لما خفي عن الشهيد الذي تتبعه في كلمات المتقدمين و المتأخرين و معرفته بمذاهبهم لا ينكر و لو كان عالما بذلك لنبه عليه جدّا الرابع استدلال العلَّامة في مواضع من المختلف و المحقّق الثاني بالشّهرة و حمله على أنّه من باب التأييد خلاف الأصل و يأباه السّياق كما لا يخفى و أما الثاني فللمنع من الملازمة أيضا إذ لم يقم دليل على التزامهم بالتعرض لجميع ما هو حجّة لا من تصريحهم و لا من تلويحهم و مع هذا فإنا نرى أنهم لم يتعرّضوا لكثير من الأمور المعتبرة المحتاج إليها و أما الثالث فللمنع من أنّ أكثر المتقدّمين ينفون حجيّة الشهرة و دعواهم أن الظن ليس بحجة شرعا إنّما هي على الظاهر في الظنّ الَّذي لم يثبت حجيّته من الشرع لا مطلقا و لعلّ الشهرة عندهم مما قام الدّليل الشرعي على اعتبارها كظاهر الكتاب و عدم ظهوره لنا لا يستلزم عدمه بالنّسبة إليهم و لم نجد في كلامهم التّصريح بنفي حجيتها بالخصوص و لا الطعن على القائل بها و ربما كان في هذا دلالة على قولهم بحجيّتها و احتمال كون عدم التّصريح بذلك لعدم وجود القائل بالحجيّة في زمانهم مستبعد و كذا نمنع من الشّهرة المتأخرة في ذلك و مصير أولئك الفحول لا يقتضي الشّهرة و مع هذا فعدم اجترائهم على مخالفة الشهرة العظيمة و دعوى بعضهم أن مخالفة الأصحاب مشكل يدلّ على أنّ الشّهرة عندهم ممّا يعتنى بشأنها و يلتفت إليها و لو سلَّمنا مصير العلماء الَّذين أشير إليهم من المتقدّمين و المتأخّرين إلى عدم حجيّة الشّهرة فنقول ذلك لا يقتضي صحّة دعوى أن أكثر الإمامية على عدم حجيّة الشّهرة لأن هؤلاء بالنّسبة إلى الإماميّة شرذمة قليلون فإن قلت كيف يمكن دعوى الشّهرة في المسألة الفقهيّة بمجرّد مصير أولئك إلى قول إذا لم يظهر مخالفة جمع نحوهم لهم و لم يمكن في هذه المسألة تلك الدعوى مع عدم مخالفة جمع نحوهم لهم قلت نحن لا ندعي الشّهرة في المسألة الفقهية بمجرّد ذلك بل بذلك مع ضمّ مقدّمة أخرى هي ظهور موافقة الباقين الَّذين لم نطلع على كتبهم و فتاويهم لهم باعتبار عدم نقلهم مخالفة الباقين إذ عادتهم تقضي بأنه لو كان الباقون مخالفين لهم لنبّهوا عليه و من الظاهر أنّ هذه المقدمة هنا غير متحققة لفقد دليلها إذ من المعلوم أن أكثرهم لم يتكلَّموا في مسألة الشّهرة فلا داعي إلى نقل الخلاف لو كان فتأمل و أمّا الرابع فللمنع من المطالبة عند علمهم بتحقق الشّهرة و علمنا بها لا يستلزم علمهم بها سلَّمنا لكن لعل ذلك فيما لم يجز التّمسك فيه بالشهرة لوجود الأقوى منها و من يجعل الشهرة حجة لا يجعلها دليلا قطعيا فيصحّ وجود معارض أقوى منها و مع هذا فدعوى أنّ جميعهم أو أكثرهم يطالبون بأدلَّة المشهورات لا يخلو عن إشكال و أمّا الخامس فللمنع من عدم الفائدة في منع كون الشهرة إجماعا على تقدير حجيتها و هو واضح و أمّا السّادس فلأن الظاهر أن إخبار الجماعة مستند إلى الوجوه المزبورة لا إلى تنصيص المعظم بعدم حجية الشهرة فإن ذلك مستبعد في الغاية و قد عرفت بطلان تلك الوجوه و مع هذا ففي إبطال حجيّة الشهرة المحققة بالشّهرة المنقولة إشكال عظيم ثم لو سلَّم مصير المعظم إلى عدم حجيّة الشهرة في المسائل الشرعيّة فنقول ذلك لا يقدح في حجيّة هذه الشهرة لما أشار إليه بعض فضلاء العصر فقال في جملة كلام له ثمّ إن هاهنا كلاما و هو أن المشهور عدم حجيّة الشهرة فالقول بحجية الشهرة مستلزم للقول بعدم حجيّتها و ما يستلزم وجوده