النبوة من دون المعجزة لعين ما ذكروه و فيه أيضا في بحث القياس لا نسلَّم وجوب العمل بالظن إذ لو وجب ذلك لوجب العمل بقول المدّعي بمجرّده إذا غلب على ظن الحاكم صدقه حتى يعمل بقول مدعي النّبوّة من دون المعجزة و في الغنية و يلزم على ما ذكروه وجوب العمل على قول مدّعي الرّسالة لأنّ فيه تحرز أو ليس هذا قول أحد و في النّهاية في بحث القياس بعد ما حكينا عنه سابقا الثاني سلَّمنا حصول الظن و ما ذكرتم من ترجيح الخالي عن الضّرر على المشتمل عليه منقوض بعدم وجوب قبول الشاهد الواحد مع ظن صدقه و عدم قبول الشّاهدين و الثلاثة في الزنا و بما إذا ظهرت المصلحة لا يشهد باعتبارها حكم شرعي و بما إذا ادعى المظنون صدقه النّبوة و بما إذا غلب على ظن الدهري و الكافر الَّذي قبح هذه الشّرائع فإنه لا يجوز العمل بالظَّن في شيء من ذلك و إن كانت راجحة لا يقال المظنّة إنما تفيد ظن الضّرر لو انتفي الدّليل القاطع على فسادها و في هذه الصّور وجد القاطع على فسادها لأنا نقول القياس إنما يفيد ظنّ الضرر إن انتفي دليل فساده فيصير نفي دليل الفساد جزءا من مقتضى ظن الضّرر فعليكم بيان النفي حتى يمكن ادعاء ثبوت ظن الضرر انتهى و قال فيه أيضا و أجيب عن الثاني بأن الدليل الشّرعي لمّا قام على عدم الالتفات إلى تلك المظان لم يبق الظنّ و لا يجوز أن يكون عدم الدّليل المبطل جزءا من المقتضي و ليس كلما يمنع وجوده من عمل المقتضي كان عدمه جزءا منه فإن مانع الثقيل من النّزول لا يصير عدمه جزءا من علَّة النزول لاستحالة كون العدم جزءا من علَّة الوجود و فيه نظر فإن الظن قائم بالوجدان الَّذي قام الدّليل الشّرعي عليه عدم الالتفات إليه أمّا على عدم الظن فلا دلالة عليه و لا يلزم من الدّليل على المنع من العمل بهذا الظن عدم الظن في نفسه و العدم جزء من العلَّة لتوقف وجود المعلول عليه انتهى و منها لزوم العمل بسائر الظنون المنهي عنه كالظن الحاصل من القياس و الرّمل و نحوهما و منها لزوم العمل بالظنّ الحاصل قبل الفحص بالنّسبة إلى المجتهد و منها لزوم العمل بالظَّن بالنّسبة إلى العامي من الرّجال و النّساء و منها لزوم العمل بالظنون المنهي عنها في الموضوعات الصرفة و إليه أشار في المعارج في بحث القياس فقال لا نسلَّم وجوب العمل بالظن إذ لو وجب ذلك لوجب العمل بقول الشّاهد الواحد لا بل كان يجب العمل بقول المدعي بمجرده إذا غلب على ظن الحاكم صدقه حتّى يعمل بقول مدعي النبوة من دون المعجزة انتهى و بالجملة تنتقض الحجة المذكورة بظنون كثيرة في أصول الدين و الفقه و الموضوعات و هي الَّتي قام الدّليل القاطع على عدم حجيتها و على المنع من العمل بها فما هو الجواب عنها فهو الجواب عن الظنون المبحوث عنها و هذا النّقض على هذه الحجة كذلك يرد على الحجة السّابقة من غير تفاوت كما لا يخفى لا يقال لو لا الإجماع على عدم حجية هذه الظنون لكنا نقول بحجيتها أيضا نظرا إلى الحجة المذكورة فالإجماع هو الفارق و المخصّص للقاعدة الكلَّية و مثله في الشّرعيات غير عزيز فإن أكثر كليّاتها قد يخصص بالإجماع لأنا نقول الحجة المذكورة قاعدة كلية عقليّة كالحجّة السّابقة و قد تقرر أن الكلَّيات العقليّة لا تقبل التخصيص فلا يجوز أن يقال كل اجتماع الضّدّين غير جائز إلا في المورد الفلاني و لا كل جسم يحتاج إلى حيّز إلا الجسم الكذائي و لا كل تكليف بما لا يطاق غير جائز إلا التكليف الفلاني و لا كل قبيح لا يصدر من الحكيم إلَّا القبيح الفلاني و ذلك أحد وجوه الفرق بين العمومات العقلية و العمومات اللَّفظية و الوجه أنّ العمومات العقليّة من حيث استنادها إلى دليل قطعي يفيد ثبوت الحكم لجزئيات كثيرة إجمالا أو تفصيلا أو لمفهوم كلي يندرج تحته جزئيات كثيرة فيكون كل جزء محكوما بذلك الحكم على وجه القطع و اليقين فلا يمكن تخصيصه من الكليّة لاستحالة اجتماع الضّدين و لا كذلك العمومات اللَّفظيّة فإن الحكم المعلَّق عليها ليس مستندا إلى أمر يوجب القطع بثبوته لكلّ جزئي من الجزئيات بل غايته الظهور و الظاهر يندفع بالقاطع أو الأظهر و هو ذلك المخصّص و قد أشار إلى ما ذكر في المعارج فقال بعد إيراده النقض بخبر الفاسق و الكافر لا يقال لو لا الإجماع لقلنا به لأنا نقول حيث منع الإجماع من اطراد هذه الحجة دلّ على بطلانها لأن الدّليل العقلي لا يختلف بحسب مظانها و فيه أيضا في حيث القياس لا يقال منعت الدّلالة من العمل بما ذكرته لأنا نقول لو كان الظن أوجها لوجوب العمل لاطرد ذلك كما أن رد الوديعة لما كان وجها موجبا لم يختلف وجب الفعل الَّذي نقع عليه و فيه نظر لأن الكليات العقلية على قسمين كالكليات اللَّفظية أحدهما ما يكون الحكم فيه معلَّقا على جميع الجزئيات على وجه الإطلاق من غير تقييد بقيد مخصوص من القيود المتعارفة كالشرط و الصفة و الغاية و نحوها و هذه نسميها بالكليات المتنجزة و هذه هي الَّتي لا تقبل التخصيص و إخراج بعض الجزئيات عنها و ثانيهما ما يكون الحكم فيه معلقا على جميع الجزئيات لكن لا مطلقا بل بانضمام قيد و اعتباره من شرط أو صفة أو غاية أو نحوها كما في قولك كل كذب قبيح و كل صدق حسن فإن الكلَّيتين مشروطتان بشرط أمّا الأولى فبعدم ظهور مصلحة و ضرورة و أمّا الثانية فبعدم ظهور مفسدة و لذا يصحّ أن يقال كل كذب قبيح إلا ما يكون تركه موجبا للهلاك و كلّ صدق حسن إلا ما كان موجبا للهلاك و مثل هذه الكلية في العقليات كثيرة و نسميها بالكليات التعليقية و من الظاهر أن خروج