يكون التّبين و التجسس و الفحص عن الصّدق و الكذب في خبر الفاسق واجبا تعبديا باعتبار أنّه لا حرمة له و من الظاهر أن من لا حرمة له لا يقبح الفحص عن معايبه و إظهارها و ليس العادل كذلك لأنه محترم فلعلَّه لذلك رفع تعالى وجوب التبين في خبره إذ لو وجب أيضا لوجب هتك حرمته و هو ينافي كونه محترما فعدم وجوب التّبين في خبر العدل باعتبار كونه محترما لا يقتضي قبول خبره أ لا ترى أنه لو قال السّيد لعبده لا تقبل خبر العادل و لا خبر الفاسق و لكن إذا أخبرك الفاسق فيجب عليك أن تتفحّص عن صدقه و كذبه و إذا أخبرك العادل فلا يجب أن تتفحص عن صدقه و كذبه بل لا يجوز لم يكن في كلامه تناقض و لا مضادة أصلا و ليس ذلك إلا لأن عدم وجوب التبيّن لا يستلزم القبول لا يقال غاية ما يستفاد من المفهوم نفي وجوب التبيّن في خبر العدل و ليس فيه دلالة على تحريمه و ما ذكرته لا يتم إلَّا على تقدير حرمة التبيّن في خبر العدل إذ مع جوازه يرتفع الحكمة المشار إليها لأنا نقول ذلك باطل لأن الحكمة تتحقق على هذا التقدير أيضا على أن نفي الوجوب لا يستلزم الجواز فلعل المنع منه قد ثبت بدليل آخر فتدبر و لا يقال قد فهم جمع كثير من أعاظم المحققين من نفي وجوب التبين جواز الاعتماد و يبعد خطاؤهم في الفهم لأنا نقول هذا حسن لو لا إظهارهم منشأ الفهم و عدم ظهور البطلان و أما مع ذلك فلا بد من الحكم بخطائهم مضافا إلى معارضة ما ذكروه بمصير جماعة من أعاظم المحققين أيضا إلى عدم دلالة الآية الشّريفة على حجيّة خبر العدل فتأمل و لا يقال الأمر بالتبيّن ليس للوجوب النفسي حتى يتجه ما ذكر بل هو للوجوب الشرطي كما في قوله عليه السّلام اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه و على هذا يلزم قبول خبر العدل لأن الشرط في قبول خبر الفاسق إذا كان التبيّن كان اللازم بحكم المفهوم أن لا يكون شرطا في قبول خبر العدل و هو المطلوب لأنا نقول الظاهر من إطلاق الأمر الوجوب النفسي فحمله على الوجوب الشرطي خلاف الظاهر و لا يجوز المصير إلى خلاف الظاهر إلا بدليل و هو هنا مفقود فتعيّن الأخذ بالظاهر و معه يسقط الاستدلال بالآية الشّريفة على المدعى الثّاني أنّ الآية الشريفة لا تنهض بالدّلالة على حجيّة خبر العدل إلا بعد ضمّ المقدّمة القائلة بأن العادل لا يجوز أن يكون أسوأ حالا من الفاسق إذ مع قطع النظر عن هذه المقدّمة لا دلالة للآية الشريفة على ذلك بشيء من الدّلالات الثلاث اللَّفظيّة جدّا و من الظاهر أن مرجع المقدّمة المذكورة إلى قاعدة القياس بالطريق الأولى الغير المستفاد من الخطاب كما في لا تقل لهما أفّ و من الظاهر أن هذا القسم من القياس لا يكون حجّة و إن أفاد الظن إلا على تقدير أصالة حجيّة كلّ ظن لعدم دليل قاطع من الأدلة الأربعة على حجيته أما الكتاب فظاهر إذ ليس ما يقتضي حجيته من قاطع أو ظاهر بل مقتضى عموم ما دل على حرمة العمل بالظن المنع منه و أما السنة فكذلك إذ ليس فيها قاطع يقتضي حجيّة ذلك نعم ربما يستفاد من بعض الأخبار حجيّته و لكنّه من الآحاد فلا يصلح للحجيّة لأنها أوّل الكلام مع معارضته بالعمومات من السنة المانعة من العمل بغير العلم و من العمل بالقياس مطلقا و من خصوص هذا القياس و أما الإجماع فلاختلاف الإمامية في حجيّة القياس المفروض و مع الاختلاف المذكور يبعد الاطلاع على الإجماع و أما العقل فلأنه لم يوجد من قواعده القطعية ما يقتضي حجية المفروض بخصوصه كما لا يخلو و حينئذ لا يجوز للخصم المدعي للظنون المخصوصة الاعتماد على الآية الشريفة في إثبات حجيّة خبر العدل ثم لو سلَّمنا و قلنا بأنّ الظن المستفاد من هذا القسم من القياس من الظنون المخصوصة فنقول يلزم عليه أن يكون بعض أقسام الشّهرة و الاستقراء و نحوهما من الظنون التي هي محلّ الخلاف حجّة و هو الذي يكون ظنا أقوى من الظن المستفاد من ظاهر الكتاب و غيره من الظنون الَّتي زعم الخصم أنها من الظنون المخصوصة و ذلك للقياس المتقدم إليه الإشارة لجريانه هنا أيضا قطعا و إذا ثبت حجيّة بعض الأقسام بقاعدة الأولوية تثبت حجية الباقي بعدم القائل بالفصل اللهمّ إلَّا أن يقال إن القياس المذكور و إن كان جاريا هنا و لكنه معارض بمثله و ذلك لأنّه لا ريب أن القياس المستنبط العلَّة ليس بحجّة مطلقا حتى ما يفيد الظن الأقوى من الظن الحاصل من الشّهرة و الاستقراء و نحوهما من الظنون الَّتي هي محل البحث و ذلك مستلزم بقاعدة الأولوية يعني هذا القياس المفروض لعدم حجيّة الأضعف من الظنون المشار إليها و حيث لا ترجيح بين المتعارضين فيجب التوقف هنا و لما لم يكن للقياس المفروض معارض في مقام الاحتجاج بالآية الشّريفة على حجيّة خبر العدل وجب العمل به لأنه من الظنون المخصوصة و فيه نظر فأن المعارضة المذكورة ممنوعة للمنع من وجود ظن منهيّ عنه من قياس و نحوه يكون أقوى من أقسام الشهرة و الاستقراء و نحوهما من الظنون التي هي محلّ البحث فتأمل الثّالث أنّ خبر العادل لا يجوز الاعتماد عليه في نفس الأحكام الشرعية إلا بعد الفحص و الاجتهاد و بذل الجهد و التّبيّن في صدقه و كذبه باتفاق المجتهدين على الظاهر فقد ساوى خبر الفاسق في وجوب التّبين و إن سلَّم أن خبر الفاسق لا يجوز العمل به بعد التبيّن فيه إذا لم يحصل منه العلم و خبر العادل يجوز العمل به بعد التّبين إذا لم يحصل منه العلم فلا يكون المفهوم شاملا للأحكام الشرعية فيكون المراد الموضوعات الصّرفة فيسقط الاستدلال به على حجية خبر العدل لا يقال الفحص و الاجتهاد الواجبان على المجتهد في العمل بخبر الواحد العدل ليس من باب التّبيّن المراد في الآية الشّريفة لأنا نقول ذلك باطل قطعا بل ذلك تبين حقيقة لا يقال لا نسلَّم وجوب التبيّن في خبر العدل أ لا ترى أنه قد استدل على حجيته بإجماع السلف من الرّجال و النّساء على العمل به و من الظاهر أنهم كانوا يعملون به من غير تبين لأنا نقول بعد تسليم