الأفاضل بعد ما ذكره المحشي بقيل أقول و أنت خبير بأن هذا الفرق محلّ نظر لأن توفر الدّواعي إما أن يقتضي النقل بجميع خصوصيات القرآن متواترا أو لا و على الأول يجب تواتر المادة و الهيئة معا و على الثاني لا يجب تواتر خصوصيات جوهر اللفظ أيضا فإنه ربّما لم يتفاوت الحال في التحدي و استنباط الأحكام باختلاف ملك و مالك و دعوى أن اختلاف الأحكام أو يخلّ بالتحدي و غيره لا يستلزم ذلك تحكم بل ربما اختلاف الحال باختلاف الحركات و السّكنات أكثر من اختلافه باختلاف بعض الجواهر و لهذا حكم الشارح العلامة بأن هذا الفرق ضعيف انتهى و بما قررنا ظهر اندفاع بحثه فإنه ليس المراد بما يكون من قبيل الهيئة كلَّما يكون من الهيئة بالمعنى المشهور بل ما لا يختلف المعنى باختلافه كما صرّح به المحشي كالمد و القصر و على هذا فلا تحكم و يكون قوله بل ربّما اختلاف الحركات و السّكنات إلى آخره ظاهر الفساد لأنه على ما قررنا يقولون بعدم وجوب التواتر في الحركات و السّكنات بل في المدّ و القصر و أمثالهما مما لا يختلف المعنى باختلافه أصلا انتهى و للقول الثالث وجوه منها خبر الفضيل بن يسار الَّذي عدّ صحيحا قال قلت لأبي عبد اللَّه عليه السّلام أن النّاس يقولون نزل القرآن على سبعة أحرف فقال كذبوا أعداء اللَّه و لكنه نزل على حرف واحد من عند واحد و يؤيده خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال إن القرآن واحد نزل من عند الواحد و لكن الاختلاف يجيء من قبل الرواة و منها ما ذكره السيّد نعمة اللَّه من أن كتب القراءة و التفسير مشحونة من قولهم قرأ حفص و عاصم كذا و في قراءة علي بن أبي طالب و أهل البيت عليهم السلام لذا بل ربما قالوا و في قراءة رسول الله صلى الله عليه و آله كذا أيضا من الاختلاف المذكور في قراءة غير المغضوب عليهم و لا الضالين و الحاصل أنهم يجعلون قراءة القراء قسيمة لقراءة المعصومين عليهم السلام فكيف تكون القراءات السبع متواترة عن الشارع تواترا يكون حجة على الناس و منها ما ذكره السيد المذكور أيضا من أن القراءات السبع من آحاد المخالفين استندوا بالقراءات بآرائهم و إن استندوا بعض قراءاتهم إلى النبي صلى الله عليه و آله فلا يجوز أن يدعى تواتر قراءاتهم و لا يجوز الاعتماد على استنادهم إلى النبي صلى الله عليه و آله أحيانا و قال أيضا بعد الإشارة إلى وقوع الزيادة و النقصان في القرآن في عصر النبي صلى الله عليه و آله و الصحابة و أما العصر الثاني فهو زمان القراء و ذلك أن المصحف الذي وقع إليهم خال من الإعراب و النقط كما هو الآن موجود في المصاحف التي هي بخط مولانا أمير المؤمنين عليه السلام و أولاده المعصومين عليهم السلام و قد شاهدنا عدة منها في خزانة الرضا عليه السلام نعم ذكر جمال الدين السيوطي في كتابه الموسوم بالمطالع السعيدة أن أبا الأسود الدؤلي أعرب مصحفا واحدا في خلافة معاوية و بالجملة لما وقعت إليهم المصاحف على ذلك الحال تصرفوا في إعرابها و نقطها و إدغامها و إمالتها و نحو ذلك من القوانين المختلفة بينهم على ما يوافق مذهبهم في اللغة و العربية كما تصرفوا في النحو صاروا إلى ما دونوه من القواعد المختلفة قال محمد بن بحر الرهني أن كل واحد من القراء قبل أن يتجدد القاري الذي بعده كانوا لا يخيرون إلا قراءته ثم لما جاء القاري الثاني انتقلوا عن ذلك المنع إلى جواز قراءة الثاني و كذلك في القراءات السبع فاشتمل كل واحد على إنكار قراءته ثم عادوا إلى خلاف ما أنكروه ثم اقتصروا على هؤلاء السبعة مع أنه قد حصل في علماء المسلمين و العالمين بالقرآن أرجح منهم مع أن في زمان الصحابة ما كان هؤلاء السبعة و لا عددا معلوما من الصحابة للناس يأخذون القراءات عنهم ثم ذكر قول الصحابة لنبيهم صلى الله عليه و آله على الحوض إذا سألهم كيف خلفتموني في الثقلين من بعدي فيقولون أما الأكبر فحرفناه و بدلناه و أما الأصغر فقلناه ثم يرادون عن الحوض و منها ما ذكره بعض الأجلة من أن هذا التواتر المدعى إن ثبت فإنما هو بطريق العامة الذين هم النقلة لتلك القراءات و الرواة لها في جميع الطبقات و إنما تلقاها غيرهم عنهم و أخذوها عنهم و ثبوت الأحكام الشرعية بنقلهم و إن ادعوا تواتره كما لا يخفى ما فيه و منها ما ذكره الرازي في تفسيره الكبير فإنه قال اتفق الأكثرون على أن القراءات المشهورة منقولة بالتواتر و فيه إشكال و ذلك لأنا نقول هذه القراءات إما أن تكون منقولة بالنقل المتواترة و لا تكون فإن كان الأول فحينئذ قد ثبت بالنقل المتواتر أن الله قد خير المكلفين بين هذه القراءات و سوى بينها بالجواز و إذا كان كذلك ترجيح بعضها على بعض واقعا على خلاف الحكم الثابت بالتواتر فيجب أن يكون الذاهبون إلى ترجيح البعض على البعض مستوجبين للفسق إن لم يلزمهم الكفر كما ترى أن كل واحد من هؤلاء القراء يختص بنوع معين من القراءة و يحمل الناس عليه و يمنعهم عن غيره و أما إن قلنا أن هذه القراءات ما ثبت بالتواتر بل بطريق الآحاد فحينئذ يخرج القرآن عن كونه مفيدا للجزم و القطع و ذلك باطل بالإجماع ثم قال و لقائل أن يجيب عنه فيقول بعضها متواتر و لا خلاف بين الأمة فيه و في تجويز القراءة بكل واحد منها و بعضها من باب الآحاد لا يقتضي خروج القرآن بالكلية عن كونه قطعيا انتهى و منها أنها لو كانت متواترة لكان ترك البسملة من أوائل السور عدا الحمد متواترا لأنه من قراءة بعض السبعة فيلزم جواز تركها في الصلاة و هو باطل للأدلة الدالة على عدمه و قد بيناها في المصابيح