عقلا و لا شرعا و بالجملة فالخطاب بإطلاقه متناول له و الفهم الذي هو شرط التكليف حاصل كما هو المقدور من ادعى اشتراط ذلك طولب بدليله و يتفرع على ذلك وصف العبادة الصادرة منه بالصحة و عدمه فإن قلنا إنها شرعية جاز وضعها لأنها عبارة عن موافقة الأمر و أنها تمرينية لم يوصف بصحة و لا بفساد انتهى و هو جيّد بحسب الأصل و القاعدة و يعضده خبر طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن أولاد المسلمين موسومون عند الله شافع و مشفع فإذا بلغوا اثني عشر كانت لهم الحسنات فإذا بلغوا الحكم كتبت عليهم السيئات و منها أن يكون فاهما عالما بالتكليف و بأن من يجب عليه إطاعته كلفه بشيء و أوجب عليه فعلا أو حرمة فلو لم يعلم بذلك باعتبار عدم قدرته على فهم ما يريده لم يتوجه إليه تكليف و لم يمكن أن يكون مكلفا و قد صرح بأن شرط التكليف الفهم في التهذيب و غيره و في المنية اتفق أكثر العقلاء على أن التكليف مشروط بفهم المكلف و علمه بما كلف به و في شرح العضدي أن فهم المكلف للتكليف شرط لصحة التكليف عند المحققين و قد قال به كل من منع تكليف المحال و قد قال به بعض من جوز تكليف المحال أيضا انتهى و لهم وجوه منها ما تمسك به في التهذيب و المبادي و شرحه من النبوي المرسل رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ و عن النائم حتى يستيقظ و عن المجنون حتى يفيق قال في المنية فإن قلت مدلول هذا الحديث انتفاء التكليف عن هؤلاء الثلاثة و ذلك أخص من المدعى و هو انتفاء التكليف عن كل غافل بحيث يندرج فيه السكران و المغمى عليه قلت لا نسلم فإنه و إن لم يدل بمجرده إلا على انتفاء التكليف عن الثلاثة لكنه يدل على انتفاء التكليف عن غيرهم من الغافلين كالمذكورين باعتبار كون العلة في رفع القلم عنهم عدم فهمهم الخطاب بطريق المناسبة و تحقق ذلك في كل غافل فثبت له هذا الحكم و منها ما أشار إليه في المنية فقال و استدل المصنف على ذلك بوجهين سمعي و عقلي إلى أن قال و أما العقلي فلأن فعل المأمور به مشروط بعلمه بالظاهر إذ الفعل الاختياري لا يصدر إلا عن القصد السابق عليه و هو ممتنع من دون العلم و منها ما أشار إليه في المنية أيضا فقال بعد ما حكينا عنه سابقا و لأنه لو لا ذلك لما صح الاستدلال بأن الأحكام أفعاله تعالى على علمه تعالى و هو باطل اتفاقا و منها ما أشار إليه في المنية أيضا فقال بعد ذلك و لأن المطلوب من التكليف إيقاع المأمور به على وجه الطاعة و الامتثال لقوله عليه السلام إنما الأعمال بالنيات و امتناع ذلك من دون العلم بالأمر و المأمور به ظاهر و حينئذ لو كلف بالفعل حال الغفلة لزم تكليف ما لا يطاق انتهى و قد أشير إلى هذه الحجة في جملة من الكتب ففي التهذيب الفهم شرط لأن الفعل مشروط بالعلم فالتكليف به حال عدمه تكليف بما لا يطاق و في المبادي و شرحه لأن تكليف من لا يعلم الخطاب حال التكليف تكليف بما لا يطاق و هو غير جائز و في المختصر لنا لو صح لكان مستدعي حصوله طاعة كما تقدم و في شرحه لنا لو صح تكليف من لا يفهم لكان مستدعي حصول الفعل منه على قصد الطاعة و الامتثال كما تقدم و أنه محال إذ لا يتصور ممن لا شعور له بالأمر قصد الفعل امتثالا للأمر قوله امتثالا لأن الغافل عن الأمر بالفعل قد يصدر عنه اتفاقا فنبه أن ذلك غير كاف في التكليف بل لا بد من قصد الامتثال لئلا يتوهم أن ذلك إذا جاز فربما علم الله تعالى منه ذلك و كلفه به و لا يكون تكليف محال انتهى و منها ما تمسك به في المختصر و شرحه من أن العلم لو لم يكن شرطا في التكليف لصح تكليف البهائم إذ لا مانع يقدر في البهيمة إلا عدم الفهم و أنه ليس بمانع لتحققه في صورة النزاع مع التكليف و للقائلين بعدم اشتراط العلم في التكليف وجوه منها ما أشار إليه في المنية فقال احتج المخالف بأن الأمر ورد بمعرفة الله تعالى بقوله تعالى فاعلم أنه لا إله إلا الله فالمأمور بها إن كان عارفا لزم أمره بتحصيل الحاصل أو الجمع بين المثلين و هما محالان و إن لم يكن عارفا امتنع منه معرفة أمر الله تعالى إياه بالمعرفة لاستحالة معرفة الأمر من دون معرفة الأمر فقد توجه إليه الأمر في حال يمتنع فيه العلم به فلا يكون الأمر به مشروطا بالعلم ثم أجاب عن هذا فقال الجواب إن معرفة الله واجبة عقلا و ليس وجوبها مستفادا من الأمر المذكور و قد أشار إلى هذا الجواب في التهذيب أيضا و لكن أورد عليه في المنية فقال و فيه نظر فإن قضاء العقل بوجوب المعرفة لا ينافي ورود الأمر بها فإن كثيرا من الأحكام يثبت بالعقل و الشرع معا ثم قال و الحق أن هذا الأمر لم يرد بمعرفة الله تعالى بل بمعرفة وحدانيته و معرفة الأمر لا يتوقف على معرفة الوحدانية و نفس وحدانيته تعالى معلومة للمكلف من جهة التصور و المأمور به العلم التصديقي بها فلم يكن المأمور غافلا عن الأمر و لا عن المأمور به انتهى و أشار إلى هذا الجواب في النهاية أيضا فقال وجوب المعرفة عندنا عقلي لا سمعي و وجوب النظر ضروري أو قريب منه بأن يكون نظري القياس لا يقال الأمر بالمعرفة ثابت بقوله تعالى و اعلم الآية إلى غيره من الآيات و كون وجوب المعرفة عقليا لا يرفعه و حينئذ يعود الإشكال لأنا نقول نمنع أولا كون هذه الأوامر بالمعرفة بل بالصفات كالوحدانية و غيرها و ثانيا كون هذه الصيغ أوامر و إن وردت بصيغة الأمر بل للإرشاد انتهى و في المعراج قلت هذا خارج عن محل النزاع فإنه مستثنى إذ المدعى أنه لا يجوز تكليف الغافل إلا في أول الواجبات و هو معرفة الله تعالى و منها