دليلان تعارضا و يمكن الجمع بينهما بوجهين و لا ترجيح لأحدهما على الآخر فوجب الوقف أما الأول فواضح و أما الثاني فلأنا لم نعثر على مرجح لا عقلا و لا نقلا و أما ما يستدل به الخصوم للترجيح فنجيب عنه إن شاء الله حجة القول بالبناء على التخصيص وجوه منها ما أشار إليه في المعارج و النهاية و التهذيب من أنهما دليلان تعارضا فلو عمل بهما لتناقضا و لو عمل بالعام لألغي الخاص فيجب العمل بهما صونا لهما عن الإلغاء و فيه نظر لأنه إنما يتم لورود العام قبل حضور العمل بالخاص لأنه لا يمكن الحكم بالنسخ حينئذ فيلزم إلغاء الخاص و أما إذا ورد بعد حضور وقت العمل بالخاص فليس طريق الجمع بينهما منحصرا في التخصيص لجواز الحكم بكون العام ناسخا و لا يلزم حينئذ إلغاء الخاص لتحقق العمل به في الجملة و قد أشار إلى هذا في النهاية و قال و ليس التخصيص في أعيان العام أولى من التخصيص في أزمان الخاص انتهى فإن قلت مجرد احتمال النسخ غير قادح في الحكم بالتخصيص لأن الأصل ترجيحه على النسخ حيثما تعارضا قلنا لا نسلم ذلك و قد مضى الكلام فيه فإن قلت إنك اعترفت في هذا المقام بلزوم التخصيص إذا ورد العام قبل حضور وقت العمل فيلزمك الحكم بالتخصيص مطلقا و لو ورد بعد حضور وقت العمل به إذ لم يفصّل أحد في المسألة فإن الحاكمين بالتخصيص حكموا به مطلقا و كذا الحاكمين بالنسخ حكموا به كذلك فالقول بالتفصيل خرق للإجماع المركب سلَّمنا لكن شهرة القول بالتخصيص مما توجب ترجيح احتماله على احتمال النسخ سلمنا و لكن نقول الحكم قد ثبت بالخاص و لم يعلم له رافع يقيني و العام لاحتماله التخصص لا يصلح له فالأصل بقاؤه عملا بالاستصحاب و قد تقدم إلى هذا الإشارة قلت الإجماع المركب في المسألة غير معلوم كشهرة القول بالتخصيص سلمنا لكن في الاعتماد عليه هنا إشكال تقدم إليه الإشارة و منها ما أشار إليه في المبادي و النهاية و التهذيب من أن الخاص أقوى دلالة فيجب العمل به و إلا لزم ترجيح المرجوح على الراجح و فيه نظر للمنع من كون الخاص أقوى هنا فإن دلالته على الاستمرار مطلق و هذا واضح جدّا و منها ما أشار إليه العضدي فقال و لنا أيضا أنه لو لم يخصص لبطل القاطع بالمحتمل و اللَّازم منتف أما الملازمة فلأن دلالة الخاص على مدلوله قاطع و دلالة العام على العموم محتمل لجواز أن يراد به الخاص فلو لم يخصص العام متأخرا بل أبطلنا به الخاص أبطلنا القاطع بالمحتمل و أما بطلان اللازم فالعقل يقضي به قضاء أوليا انتهى و فيه نظر و منها أن تقدم الخاص كالعهد بين المخاطبين فيكون قرينة على أن المراد بالعام ما عدا الخاص و فيه أنه ممنوع و حجة القول بالبناء على النسخ وجوه أيضا منها ما روي عن ابن عباس من أنه قال كنا نأخذ بالأحدث فالأحدث و العام المتأخر أحدث فيجب الأخذ به فيكون ناسخا و فيه نظر للمنع من الاعتماد على قول ابن عباس و ليس قوله كنا نأخذ صريحا في دعوى إجماع الصّحابة عليه لجواز اشتراك جماعة لا يحصل بهم الإجماع معه في ذلك سلمنا و لكن نمنع من صحة ما نسب إليه و إن ذلك لم ينقل عنه على وجه يصحّ الاعتماد عليه سلمنا و لكن قوله كنا نأخذ بالأحدث فالأحدث ليس صريحا في الأخبار المتعاقبة فلعل المراد غيرها من سائر الأمور و ليس هو أيضا ظاهرا في ذلك لا يقال إنه مطلق فيعمّ محلّ الفرض لأنا نمنع من صلاحيته للتعميم هنا كما أن قوله أخذت الدّرهم و رأيت الرجل لا يدل على أخذ جميع الدّراهم و رؤية جميع الرّجال و في الجملة ما نقوله قضية في واقعة فلا عموم لها فتأمل سلمنا و لكن ينبغي حمله على غير محلّ النزاع جمعا بينه و بين ما دل على لزوم التخصيص في محلّ الفرض كما نصّ عليه جماعة سلمنا عدم صلاحيّته لكنه لا أقلّ من معارضته له فيجب التوقف فلا يصحّ معه الاستدلال و منها أن القائل إذا قال اقتل زيدا ثم قال لا تقتلوا المشركين فهو بمثابة أن يقول لا تقتل زيدا و لا عمراً إلى أن يأتي على الأفراد واحدا بعد واحد و هذا اختصار لذلك المطول و إجمال لذلك المفصل و لا شكّ أنه لو قال لا تقتل زيدا لكان ناسخا لقوله اقتل زيدا فكذا ما هو بمثابته و فيه نظر للزوم ذلك الحكم بالنسخ مطلقا و عدم جواز التنصيص على مخالفة بعض الجزئيات بعد إثبات الحكم لها على طريق العموم و بطلان ذلك واضح و للمنع من التساوي فإن تعداد الجزئيات و ذكرها بالنّصية يمنع من تخصيص بعضها لما فيه من المناقضة فلا يمكن الحكم إلا بالنسخ بخلاف ما إذا كانت مذكورة بلفظ عام فإن التخصيص حينئذ ممكن فلا يصار إلى النسخ إما لأن التخصيص أرجح كما اختاره جماعة أو لتساويهما كما لا يبعد دعواه و منها أن المخصّص للعام بيان له فكيف يكون مقدّما عليه و فيه نظر لما ذكره في المعالم تبعا للمختصر من أنه استبعاد محض إذ لا يمتنع أن يرد كلام ليكون بيانا للمراد بكلام آخر يرد بعده و تحقيقه أنه يتقدم ذاته و يتأخر وصف كونه بيانا و لا ضير فيه لا يقال الاستبعاد إنما نشأ من كثرة تأخر البيان عن المبين لا من امتناعه عقلا حتى يرد ما ذكر و ينتقض أيضا بما إذا تقدم الخاص و كان العام واردا قبل حضور وقت العمل بالخاص و قد ثبت أن الكثرة توجب ترجيح أحد المحتملين على الآخر لأنا نقول بعد تسليمها هي معارضة بكثرة التخصيص و قلَّة