بما طريقه غلبة الظَّن و منها ما أشار إليه في العدة و أجاب عنه فقال فإن قالوا ليس خبر الواحد قد قبل ما يقتضي العقل خلافه فما المنكر من أن يجوز قبوله فيما يقتضي عموم القرآن خلافه قيل لهم هذا إنما يمكن أن يستدل به على من أبى تخصيص العموم به عقلا فيقال له إذا جاز الانتقال عما يقتضيه العقل إلى خلافه بخبر الواحد جاز أن ينتقل عما يقتضيه العموم بمثل ذلك فأما من أجاز ذلك عقلا و إنما امتنع عنه لفقد الدلالة عليه فهذا السؤال ساقط عنه و إنما ينبغي أن يتشاغل بأن هاهنا دليلا يدل على جواز تخصيص العموم به و هو نفس المسألة التي اختلفنا فيها على أن مثل هذا يمكن أن يقال في جواز النّسخ به لأن الانتقال من موجب العقل من خطر إلى إباحة أو إباحة إلى خطر في معنى النسخ و إن لم يسمّ نسخا فينبغي أن يجوز على موجب ذلك النسخ بخبر الواحد و هذا لا يقوله أحد و لا جواب عن ذلك إلَّا ما ذكرناه من أن ذلك دليل على جوازه لا على وجوبه بل وجوبه يحتاج إلى دليل مفرد للقول الثاني وجوه منها ما حكاه في المعارج و النهاية و المنية و المحصول و المختصر و شرحه للعضدي و غاية السئول و شرح المنهاج للعبري عن جميع القائلين بعدم جواز تخصيص عام القرآن بخبر الواحد من أن العام قطعي و خبر الواحد ظني و الظَّني لا يصلح لمعارضة القطعي بل يجب ترجيح القطعي و قد حكى عليه الاتفاق في المنية و قد تمسّك بهذه الحجة في العدة أيضا و أجيب عنها بوجوه الأول ما أشار إليه في النهاية و غاية البادي و حكاه في المعارج عن جماعة من أنّ ذلك منقوض بالبراءة الأصلية فإنها قطعية مع أنّه يجوز تخصيصها بخبر الواحد و قد يقال هذا إنما يتجه لو ادعى الخصم امتناع ذلك عقلا و أمّا إذا ادعى أن الأصل ذلك فلا لجواز أن يقال إن تخصيص البراءة الأصليّة بخبر الواحد خرج بالدليل و لا دليل على خروج محلّ البحث فيبقى مندرجا تحت الأصل على أنا نقول الفرق بين أصالة البراءة و عام الكتاب واضح فإن عام الكتاب يدلّ على ثبوت الحكم لجميع الجزئيات فإذا خصص بخبر الواحد وجب إلغاء هذه الدلالة و حمل اللفظ على غير حقيقة و لا كذلك أصل البراءة فإنه إنما يتمسّك به حيث لم يقم دليل على ثبوت التّكليف فإذا فرضنا كون خبر الواحد دليلا لم يكن أصل البراءة معارضا له و لم يمكن ذلك الخبر موجبا لدفع ظاهر و لا إلغاء دلالة معتبرة و بالجملة خبر الواحد على تقدير حجية لا يعارض أصل البراءة أبدا و لا يعارض عام الكتاب فالنقض المذكور ليس بوجيه و مع هذا فأصالة البراءة قطعي الحجّية لا قطعي الصدور و عام الكتاب قطعي الحجيّة و قطعي الصدور فهو أقوى من أصالة البراءة فهذا وجه آخر للفرق الدافع للنقض فتأمل الثاني ما أشار إليه في المعالم و شرح المختصر للعضدي من أن التخصيص وقع في الدّلالة فإنه دفع للدّلالة في بعض الموارد فلم يلزم ترك القطعي بالظنّي بل هو ترك الظني بالظني و يقرر بعبارة أخرى هي العام قطعي المتن ظني الدّلالة و الخبر الخاص بالعكس فكان لكل قوة من وجه فوجب الجمع بينهما و قد وقع الحجّة المذكورة بالتقرير الثاني في النهاية و غاية البادي و الزبدة و المحصول و المنهاج و شرحه للأسنوي و العبري و منها ما أوجب بعد فرض التساوي و التعادل الجمع كالمعالم و الزبدة و شرح المختصر و منها ما لم يوجب ذلك و هو ما عدا ما ذكر لا يقال لا نسلَّم كون عام الكتاب ظني الدلالة بل هو قطعي الدّلالة بناء على القاعدة العقلية من امتناع المخاطبة بما له ظاهر و يراد منه خلاف ظاهره لأنا نقول هذا باطل بل هو ظني الدّلالة لاحتماله التخصيص احتمالا قريبا كما صرح به الأسنوي و العبري و الآمدي لشيوع طرق التخصيص عليه حتى اشتهر ما من عام إلَّا و قد خص و لو جعلنا من المجازات الراجحة المساوي احتمالها لاحتمال الحقيقة منعنا كون عام الكتاب مفيدا للظن بالعموم بل كان من المجملات و عليه يبقى خبر الواحد سليما عن المعارض فيجب العمل به بلا إشكال و يلزم هذا أيضا على تقدير القول بعدم وضع لفظ للعموم لغة بل كلّ موضوع للخصوص و كذا على القول باشتراك اللفظ بين العموم و الخصوص كما لا يخفى و كذا على القول بالتوقف في وضع لفظ للعموم و قد جعل جدي الصالح في شرح الزبدة و الفاضل التوني في الوافية وجود هذه الأقوال منشأ لكون العام ظني الدّلالة و أمّا القاعدة العقلية فهي غير جارية هنا كما أشار إليه في المعالم فقال في جملة كلام له لا يقال الحكم المستفاد من ظاهر الكتاب معلوم لا مظنون و ذلك بواسطة ضميمة مقدمة خارجية و هي قبح خطاب الحكيم بما له ظاهر و هو يريد خلافه من غير دلالة تصرفه عن ذلك الظاهر سلمنا و لكن ذاك ظن مخصوص فهو من قبيل الشهادة لا يعدل عنه إلى غيره إلَّا بدليل لأنا نقول أحكام الكتاب كلَّها من قبيل خطاب المشافهة و قد مرّ أنّه مخصوص بالموجودين في زمن الخطاب و أن ثبوت حكمه في حق من تأخّر إنّما هو بالإجماع و قضاء الظاهر باشتراك التكليف بين الكل و حينئذ فمن الجائز أن يكون اقترن ببعض تلك الظواهر ما يدلَّهم على إرادة خلافها و قد وقع ذلك في مواضع علمناها بالإجماع و نحوه فيحتمل الاعتماد في تعريفنا بسائرها على الأمارات المفيدة للظنّ القويّ و خبر الواحد من جملتها و مع قيام هذا الاحتمال ينتفي القطع بالحكم و