و لو عارضه الخبر الجامع لشرائط الحجّية و أي دليل عليها و الإجماع على حجية عام الكتاب كالإجماع على حجيّة خبر الواحد لا يفيد العموم و على هذا لا يجوز العمل بعام الكتاب في مورد معارضته لخبر الواحد و يجب العمل به في غير هذا المورد و يفيد هذا ما يفيد تخصيصه بخبر الواحد كما لا يخفى ثم لو سلمنا قيام دليل يفيد بعمومه حجية عام الكتاب حتى في صورة معارضته لخبر الواحد فنقول خبر الواحد مما قام الدّليل المعتبر على حجيته مطلقا و لو في صورة معارضته لعام الكتاب و هو إطلاق مفهوم قوله تعالى إن جاءكم إلى آخره الَّذي تمسّك به جماعة على حجية خبر الواحد فإنه شامل لخبر الواحد الذي عارضه عام الكتاب بل مقتضاه ترجيح الخبر على عام الكتاب لا يقال تقييد عموم الكتاب بالمفهوم المذكور ليس بأولى من تقييد المفهوم بغير الخبر المعارض للكتاب تحقيق المطلب أن في الكتاب عامين أحدهما عموم المفهوم المذكور و الآخر عموم الكتاب عارضه خبر الواحد و لا يمكن العمل بظاهرهما قطعا فيجب ارتكاب التخصيص في أحدهما و لا ترجيح لأحدهما على الآخر لأنا نقول لا نسلَّم عدم الترجيح فإن شهرة القول بجواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد ترجيح إبقاء العموم المفهوم المذكور و صرف التوجيه إلى معارضه لا يقال هذه الشهرة لا تفيد سوى الظن بالترجيح و لا دليل على حجيّة هذا الظن لأنا نقول الَّذي يستفاد من كلام القوم و يقتضيه التحقيق أن الأصل حجّية الظن المفيد للترجيح مطلقا و إن قلنا بأن الأصل عدم حجية الظنّ في غير مقام تعارض الأدلة فتدبر و يؤيد ذلك أمور الأوّل أن المفهوم عرفا تخصيص عام الكتاب و إبقاء عموم المفهوم على حاله أ لا ترى أنّه لو قال السيّد لعبده قول ابني حجة و اعمل به مطلقا ثم قال السيّد لذلك العبد أكرم كلّ عالم و قال الابن المنصوص على حجيّة قوله مراد والدي من ذلك الكلام أكرم علماء بني تميم كان اللازم عند أرباب اللسان تخصيص عموم قول السيّد أكرم العلماء لا عموم قوله قول ابني حجة و إن كان كلاهما منه فتدبر و لعل السّر في ذلك أنّه لم يبق لقول السيّد أكرم العلماء ظهور في معناه الحقيقي بعد ملاحظة قول الابن الظاهر الدلالة في معناه الحقيقي فيكون قول الابن خاليا عن المعارض فتأمل الثاني أنّه لو خصصنا عموم المفهوم يلزم إخراج كثير من أفراد العام و لا كذلك لو خصّصنا معارضه فإنه ليس بتلك المثابة فإن قلت إن خصّصنا المفهوم يلزم صرف التوجيه إلى خطاب واحد و آية واحدة و لو خصّصنا معارضه يلزم ارتكاب التخصيص في آيات كثيرة و خطابات متعددة و الأول أولى قلت هذا حسن لو لم يستلزم تخصيص المفهوم إخراج أفراد من العموم زيادة على ما يخرج من الآيات الكثيرة و لو خصصناها بها و أما مع استلزام ذلك فلا و من الظاهر الاستلزام فإنه يتفق غالبا ورود أخبار كثيرة تقتضي تخصيص آية واحدة فتأمل الثالث أنه لو خصّصنا عموم المفهوم يلزم تنزيل إطلاق المفهوم على فرد نادر و لا كذلك لو رجّحنا العكس و فيه نظر و بالجملة الآية الشّريفة دالة على جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد إن سلمنا دلالتها على أصل حجيّة خبر الواحد كما يظهر من جماعة و إلَّا فلا يصحّ التعويل عليها في محلّ البحث و منها أنه يجوز إثبات وضع ألفاظ القرآن و سائر قواعدها العربيّة بنحو خبر الأصمعيّ و سيبويه و عاصم و ذلك يستلزم جواز إثبات المراد من عموماتها بخبر أجلَّاء الرّواة و عظماء العدول و الثقات كزرارة و محمّد بن مسلم و صفوان بن يحيى بطريق أولى و قد أشار إلى هذا في الذّريعة و منها أنّه لا شكّ و لا شبهة في أنّه لا يجب في الحكم بتخصيص عام الكتاب وجود قرينة قطعية بل يكتفي فيه بالقرينة الظَّنية و لذا يحكم بتخصيصه بالخبر المتواتر لفظا إذا كان أقوى دلالة من عام الكتاب فإذا فرض حصول الظَّن الأقوى من هذا المخصّص من خبر الواحد الجامع لشرائط الحجيّة كان التخصيص به أولى و منها أنّه لو لم يخصّص عام الكتاب بخبر الواحد و لا يدفع به ظاهره لبطل القول بحجيّة خبر الواحد إذ لا شيء من خبر الواحد المخالف للأصل إلَّا و يعارضه ظاهر الكتاب و التالي باطل للأدلة القاطعة الدّالة على حجية خبر الواحد في الجملة و قد تمسّك بهذه الحجة السيّد الأستاذ رحمه الله فقال لو لم يجز تخصيص الكتاب بأخبار الآحاد لزم سقوط حجيّتها بالكليّة إذ ما من خبر يتضمن أمرا مخالفا للأصل إلَّا و في مقابله شيء من عمومات الكتاب و أقله ما دلّ على أصل الإباحة كقوله تعالى خلق لكم ما في الأرض جميعا و قد أثبت الأصحاب في كتاب المطاعم محرّمات كثيرة لا مستند لها سوى أخبار الآحاد و ما في معناها من الأدلَّة الظَّنية و كذا في سائر كتب الفقه و أبوابه و منها أنّه لو لم يعمل بخبر الواحد و وجب الاقتصار على أصالة البراءة و ظاهر الكتاب و الإجماع و دليل العقل لزم الخروج من الدّين و التالي باطل فالمقدّم مثله و الملازمة ظاهرة فتأمل و منها ما حكاه الشيخ في العدّة عن بعض فقال و في الناس من قال إن العموم ثبت اجتهادا فجاز الانتقال عنه بخبر يوجب غلبة الظنّ و أجاب عنه فقال و هذا القول باطل لأن الدّليل على القول بالعموم دليل يوجب العلم ليس من باب الاجتهاد في شيء و قد دلَّلنا على ذلك فكيف يجوز أن