يسقط هذا السّؤال انتهى و فيه نظر للمنع من صحّة هذه المعارضة لأن طرح الأخبار المذكورة لعلَّه لعدم اشتمالها على الشرائط المعتبرة في حجية خبر الواحد و من الظاهر أن كل من يجوز تخصيص عموم القرآن بخبر الواحد لا يدعي جوازه بكل خبر و بطريق الإيجاب الكلي بل يدعي جوازه في الجملة و بطريق الإيجاب الجزئي فلا تعارض بين ما فعلوه من تخصيص عموم الكتاب ببعض أخبار الآحاد في بعض المقامات و ما فعلوه من طرح بعض أخبار الآحاد في مقابلة عام الكتاب اللَّهم إلَّا أن يدعى أن ما طرحوه من الأخبار كان جامعا لجميع شرائط حجية خبر الواحد فيتجه حينئذ المعارضة و لكن ذلك غير معلوم نعم قد يقال إن تعليل الطرح بأنا لا ندري أ صدقت إلى آخره ظاهر في أن خبر الواحد لا يصلح لتخصيص عام الكتاب مطلقا فمعه لا يمكن دعواهم الاتفاق على تخصيص الكتاب بخبر الواحد إلَّا أن يقال هذا التعليل ليس من جميع الصحابة و هو منه لا يدل على اختياره عدم جواز التخصيص و فيه نظر و بالجملة اتفاق الصّحابة على تخصيص عام الكتاب بخبر الواحد غير معلوم فلا ينهض الحجة المذكورة لإثباته نعم لو ادعي اتفاق أصحابنا القائلين بخبر الواحد على ذلك لم ينكر لأني أراهم في كتبهم الفقهية متفقين عليه و ما وجدت إلى الآن أحدا منهم يطرح بسبب مخالفته لعام الكتاب مع كثرة الأخبار المخالفة لعام الكتاب و الشيخ و المحقق و إن أنكرا تخصيص الكتاب بخبر الواحد في الأصول و لكنّهما صارا إليه في الفقه يشهد بذلك كتبهم و قد نبّه على ما ذكرناه السيّد الأستاذ رحمه الله فقال العمدة في حجية خبر الواحد عمل الأصحاب و إجماعهم على ذلك و هو حاصل في الأخبار المخصّصة لعمومات الكتاب فلا وجه لتخصيصه بغيرها انتهى و ممّا ذكر يظهر وجه المناقشة في منع الشيخ في العدة من اتفاق الطائفة على تخصيص عام الكتاب بخبر الواحد فتأمل و منها ما تمسك به في النهاية و المنية و المعالم و المحصول و المنهاج و شرحه للعبري من أنّ عام الكتاب و خبر الواحد دليلان تعارضا و خبر الواحد أخص و متى كان كذلك وجب العمل بالخبر مطلقا و بالعام فيما عدا صورة التخصيص أما الأوّل فلما ذكره في المحصول فقال إنما قلنا إنهما دليلان فلأنا نتكلم على تقديره و مراده أن محل البحث خبر الواحد الَّذي يكون حجة في نفسه و جامعا لشرائط الحجيّة لا مطلق خبر الواحد و أما الثاني فلأنه المفروض و أما الثّالث فلما ذكره في المنية من أنه لو لا ذلك لزم إما إبطال الدّليلين أو إعمالهما أو إعمال أحدهما مطلقا و إهمال الآخر كذلك و الكل محال أما الأول فلما فيه من إبطال الدليل الخالي عن المعارض و ذلك من وجهين أحدهما أن ما عدا الخاص من جزئيات العام لا معارض له لعدم تناول دليل خاص إياه و ثانيهما أن إبطالهما معا ملزوم لإبطال كل منهما فيبقى الآخر بغير معارض و أما الثاني فلاستلزامه التناقض في صورة مدلول الخاص و أما الثالث فلاستلزامه إبطال الدّليل الخالي عن المعارض إن كان المعمول به الخاص و الملغى العام أو تقديم المرجوح على الرّاجح إن كان العكس لأن دلالة الخاص على محلَّه أرجح من دلالة العام انتهى لا يقال لا نسلَّم كون خبر الواحد دليلا عند معارضته لعام الكتاب و ثبوت كونه دليلا في الجملة لا يستلزم أن يكون دليلا مطلقا و قد صرح بذلك في المعارج و العدة القائلين لا نسلَّم أن خبر الواحد دليل على الإطلاق لأن الدّلالة على العمل به الإجماع على استعماله فيما لا يوجد عليه دلالة فإذا وجدت الدلالة القرآنية سقط وجوب العمل به و صرّح بذلك أيضا في الذّريعة لأنا نقول هذا باطل لأنه إنما يتمّ على تقدير انحصار الدليل على حجية خبر الواحد في الإجماع و نحوه و هو باطل بل الحق عندي أن عمدة الدّليل على حجيّة خبر الواحد ما تقرر عندي وفاقا لجماعة من أصالة حجيّة الظن و على هذا فلا شكّ في كون خبر الواحد المعارض لعام الكتاب دليلا حيث تعارض الدليلان المفيدان للظن وجب الرجوع إلى المرجحات و أعظمها و أعلاها على الأصل المذكور ما أفاد الظنّ الأقوى بالواقع و عليه يجب ترجيح الخبر إذ لا شك و لا شبهة في أن الظنّ بالحكم الواقعي الحاصل منه أقوى من الظن الحاصل من عام الكتاب به لا يقال يلزم على هذا الحكم بجواز نسخ الكتاب بخبر الواحد و الحكم بتخصيصه بالقياس إذا حصل الظن الأقوى منهما و هو باطل لأنا نقول لو لا الدليل المعتبر على منع الأمرين لكنّا نقول بهما و حيث لم يقم دليل معتبر على عدم جواز تخصيص عام الكتاب بخبر الواحد وجب الرجوع إلى الأصل المذكور و بالجملة لا شك و لا شبهة في أن الواجب الحكم بتخصيص عام الكتاب بخبر الواحد الجامع لشرائط الحجيّة على القول بأصالة حجيّة الظنّ كما هو التحقيق نعم يلزم على مذهب من صار إلى لزوم العمل بالظنون المخصوصة و الأسباب الشرعية مع حجية خبر الواحد في هذا المقام و الأخذ بعام الكتاب لعدم قيام دليل معتبر على حجيّة الأوّل في خصوص الفرض و ثبوت حجيّة عام الكتاب مطلقا و لعلّ بناء الجماعة المتقدم إليهم الإشارة على هذا و لكن هذا المذهب خلاف التحقيق و مع ذلك فقد يقال لا نسلَّم ثبوت حجيّة عام الكتاب مطلقا