وجه الصّدق إذ ما من شيئين إلَّا و بينهما مساواة من جهة كما تقدم إليه الإشارة و التالي باطل لامتناع صدور مثل هذا الوضع فالمقدمة مثله سلمنا إمكان صدوره من الواضع و لكن يلزم أن يكون إطلاقه دائما مجازا و هو خلاف الأصل كما أشار إليه بعض و منها ما أشار إليه العضدي فقال قالوا المساواة مطلقا أي في الجملة أعم من المساواة بوجه خاص و هو المساواة من كلّ وجه فلا يدل عليه لأن الأعمّ لا إشعار له بالأخص بوجه من الوجوه فلا يلزم من نفيه نفيه و منها إذا قيل لا يستوي زيد و عمرو صحّ أن يقال أردت أنهما لا يستويان من كلّ وجه أو من بعض الوجوه و للآخرين أيضا وجوه منها ما تمسّك به العضدي تبعا للحاجبي من أن المفروض نكرة في سياق النفي لأن الجملة نكرة باتفاق النحاة و لذلك يوصف بها النكرة دون المعرفة فوجب التعميم كغيره من النكرة و ليس هذا قياسا في اللَّغة بل استدلال فيها بالاستقراء و فيه نظر لأن كون الفعل نكرة ممنوعة و لو سلَّم فإطلاق ما دل على أن النكرة تفيد العموم لا يعلم شموله لمثل هذه و الاستقراء غير معلوم ثبوته لأن هذا النوع من النكرة يغاير غيره من سائر النكرات مغايرة تامّة و معها لا يجوز الإلحاق فتأمل هذا و قال العلامة في النهاية أن نفي الاستواء و إن كان نكرة إلَّا أن متعلقه إذا كان جزئيا لم يعم النفي بل عموم نفي الاستواء من ذلك الوجه فإن قولنا لم يضرب زيدا يقتضي عمومه لا عموم المضاف إليه انتهى و فيه نظر و منها ما أشار إليه الآمدي فقال حجّة أصحابنا أنّه إذا قال القائل لا مساواة بين زيد و عمرو فالنّفي داخل على مسمّى المساواة فلو وجدت المساواة من وجه لما كان مسمّى المساواة منتفيا و هو خلاف مقتضى اللَّفظ انتهى لا يقال هذا إنّما يتجه على تقدير كون إثبات المساواة لا يفيد العموم و لكنه باطل لما تقدّم من الحجة على كونه مفيدا له فيلزم أن يكون نفي المساواة غير مفيد له لأنا نقول لا نسلَّم كون إثبات المساواة يفيد العموم لعدم التبادر و ما استدل به عليه من الوجوه المتقدم إليها الإشارة لا ينهض إذ بمثل تلك الوجوه يمكن الاستدلال على كون نفي المساواة للعموم و من الظاهر أنّه لا يجوز القول بإفادة نفي المساواة و إثباتها العموم معا لأن الظاهر أن كلّ من قال بإفادة أحدهما لم يقل بإفادة الآخر إياه فلا بدّ أن يرفع اليد إما عن الوجوه المذكورة أو عن مثلها الذي يمكن الاستدلال به على إثبات دلالة نفي المساواة على العموم فالوجوه المذكورة معارضة بمثلها و حيث لا ترجيح يجب التوقف و معه لا يجوز الاستدلال بتلك الوجوه على إفادة إثبات المساواة العموم و قد أشار إلى هذا الآمدي و العضدي و منها أن أكثر الأفعال المنفية نحو لا آكل و ما رأيت إنما يفيد العموم فيجب الحكم بأن هذا الفعل كذلك إلحاقا للفرد المشكوك فيه بالأعمّ الأغلب لا يقال يتعارض هذا الوجوه المتقدمة الدلالة على كون نفي المساواة غير دال على العموم لأنا نقول الوجوه المزبورة كلَّها مدفوعة فلا تصلح للمعارضة أمّا الأول فلابتنائه على كون الإثبات مفيدا للعموم و أما الثاني فلأنه إنما يصار إليه لو لم يقم دليل أقوى على خلافه و أمّا معه فلا و محلّ البحث من هذا القبيل إذ ما دلّ على أن نفي المساواة للعموم أقوى منه جدّا فلا يصار إلى ذلك هنا على أنه يمكن التمسّك بهذا الوجه على كون إثبات المساواة موضوعا للقدر المشترك كما لا يخفى فيرد حينئذ نحو ما قلنا في دفع الوجوه التي استدل بها على إثبات المساواة للعموم فإنها معارضة بمثلها و لا ترجيح فيجب التوقف ثم إن الوجه المزبور على تقدير تسليمه غايته إثبات الوضع للقدر المشترك لا نفي دلالة نفي الاستواء على العموم فيجوز أن يدّعى دلالته على العموم مع كونه موضوعا للقدر المشترك فإن اللفظ الموضوع له قد يكون ظاهرا عند إطلاقه في بعض الأفراد كلفظ النقد الظاهر في الرائج عند الإطلاق مع كونه موضوعا بينه و بين غيره فالتحقيق أنّه إذن كان محلّ البحث في لا يستوي مجرد دلالته على العموم فالوجه المزبور لا يجوز التمسّك به في دفعها و إن كان وضعه للعموم كما يستفاد من كلام الجماعة فيجوز التمسّك به في دفعه لكن يجاب عنه بما تقدّم إليه الإشارة فتدبر و أمّا الثالث فلما تقدّم إليه الإشارة و أما الرابع فللمنع منه مضافا إلى أنّه يرد عليه بعض ما أوردناه على الوجه الثاني فتأمل و أما الخامس فلما تقدم إليه الإشارة و أما السادس فللمنع من بطلان التالي و إنما يمتنع ذلك لو كان الموضوع لفظا مفردا و أمّا إذا كان مركبا فلا و إلَّا لكان قوله لم يوجد خلق أصلا و لم يوجد دار و نحو ذلك من الألفاظ الغير الموضوعة و هو باطل قطعا قال في النهاية الحقيقة إذا تعذرت وجب الحمل على المجاز و كون الحقيقي ممتنع الوجود لا يخرج اللفظ عن وضعه انتهى ثم إنا نمنع الملازمة لأنها أنما تثبت لو أريد أن نفي الاستواء يفيد العموم من كلّ جهة و هو ممنوع لجواز إرادة نفيه من الجهة الَّتي يمكن نفيها عقلا و عرفا كما أشار إليه العضدي قائلا هو من قبيل ما يخصصه العقل نحو اللَّه خالق كلّ شيء أي خالق كلّ شيء يخلق هذا ثم لو سلمنا الملازمة فنقول بمثل هذا الوجه يمكن الاستدلال على كون إثبات المساواة لا يفيد العموم فيرد ما تقدّم إليه الإشارة و أما السّابع فلما أشار إليه العضدي فقال في مقام دفعه و الجواب أن ما ذكرتم من عدم إشعار الأعم بالأخصّ إنّما هو في طرف الإثبات لا في طرف النفي فإن نفي الأعمّ يستلزم نفي الأخصّ و لو لا