أن يستفاد من الأمر الثاني تقييد الأول واشتراطه به أو لا وعلى الأولين لو غير هيئة المستحب فالظاهر عدم الامتثال لذلك المستحب أصلا لعدم الإتيان بالمأمور به وعدم استحقاق الثواب أما الإثم فلا إلا بدليل من خارج وعلى الأخير الامتثال لأحد الأمرين واستحقاق الثواب به دون الأمر الآخر والإثم أيضا منتف إلا بدليل من خارج مفتاح إذا شرع في فعل مندوب ودخل فيه ولم يقم دليل من الشرع على جواز قطعه حيث أراد ولا على المنع منه فهل الأصل حينئذ جواز القطع متى ما أراد أو لا بل الأصل يقتضي حرمته يظهر من النهاية وجود الخلاف في المسألة فإنه قال اختلفوا في المندوب هل يصير واجبا بالشروع فيه فعند أبي حنيفة أنه يصير واجبا بالشروع خلافا للشافعية والإمامية انتهى والمعتمد عندي هو القول الثاني الذي حكاه عن الإمامية ولهم وجوه الأول ظهور عبارة النهاية في دعوى الإجماع على ذلك الثاني أصالة براءة الذمة عن وجوب الإتمام وتحريم القطع الثالث أن وجوب الإتمام لو كان أصلا معتبرا لاشتهر بل وتواتر والتالي باطل فالمقدم مثله وأما الملازمة فظاهرة الرابع ما تمسك به في النهاية فقال إنه لم يكن واجبا قبل الفعل فكذا حاله عملا بالاستصحاب انتهى وفيه نظر الخامس ما تمسك به في النهاية أيضا فقال لنا قوله عليه السلام الصائم المتطوع أمين ثقة إن شاء صام وإن شاء أفطر انتهى وفيه نظر أما أولا فلضعف الرواية سندا فلا تصلح للحجية وأما ثانيا فلاختصاصها بصورة خاصة فلا تفيد أصلا كليا وعدم القائل بالفصل غير معلوم السادس ما تمسك به في النهاية أيضا فقال ولأنا نفرض البحث فيما إذا نوى صوما مندوبا يجوز له تركه فعند الشروع يجب أن يقع الصّوم على هذا الوجه لقوله عليه السلام لكل امرئ ما نوى انتهى وفيه نظر السابع أنه لو كان القطع حراما للزم إعراض معظم العباد عن كثير من المستحبات كما لا يخفى فيكون منافيا للَّطف وموجبا لتفويت المصلحة في شرعيتها الثامن أنه لو كان القطع حراما للزم الحرج العظيم في جملة من المستحبات والأصل عدمه فتأمل والتاسع أنه إذا قيل هذا مندوب فهم منه أنه يجوز تركه مطلقا ولو بعد الاشتغال وفيه نظر لأنا لا نسلَّم ذلك بل ليس المفهوم من المندوب إلا ما يجوز تركه في الجملة كما أن ليس المفهوم من الواجب إلا ما لا يجوز تركه في الجملة ولذا لم يكن عدم جواز القطع من مقتضيات الوجوب فتأمل لا يقال إبطال المندوب مستلزم لإلغاء ما فعل لعدم ترتب فائدة عليه أصلا أما الدنيوية فواضح وأما الأخروية فلأنها الثواب وهو منتف هنا لأنه لا يترتب إلا على تمام العمل وإلغاء ما فعل قبيح عقلا كما أن ارتكاب ما لا فائدة فيه قبيح عقلا وكل قبيح عقلا حرام شرعا بناء على ما ذهب إليه العدلية من أن كل ما قبحه العقل فهو قبيح وحرام شرعا لأنا نقول ما ذكر في غاية الفساد أما أولا فللنقض بجواز إبطال الأعمال المباحة ولو كان مجرد الإبطال مستلزما للإلغاء لما جاز إبطالها وأما ثانيا فلأن ترك ما فعل إنما يقبح حيث لم يترتب على الترك فائدة ولو كانت دنيوية وأما معه فلا ويكفي في الفائدة دفع المشقة الحاصلة من ارتكاب العمل وأما ثالثا فلأن ذلك لو سلم فإنما يتم حيث لم يترتب على ما فعل فائدة أصلا وأما مع ترتب الفائدة عليه ولو لم تكن مقصودة حين الشروع فلا وأما رابعا فلأن ذلك لو كان قبيحا لما صار أكثر العقلاء إليه والتالي باطل كما عرفت ولا يقال قوله تعالى * ( ولا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) * يدل على أصالة حرمة القطع لأن لفظ الأعمال للعموم لأنه جمع مضاف فيشمل الأعمال المستحبة والنهي عن إبطالها مفيد لوجوب الإتمام وحرمة القطع لأنا نقول الآية الشريفة لا تنهض حجة لإثبات الأصل المذكور لوجوه الأول أن جماعة من المفسرين فسروها بما لا يصحّ معه الاستدلال فعن عطا لا تبطلوها بالشرك والنفاق وعن الكلبي بالرياء والسمعة وعن الحسن بالمعاصي والكبائر وفيه نظر لأن الجماعة المشار إليهم قولهم ليس بحجة سلمنا لكن لم يتحقق لنا أن ذلك قولهم الثاني أن إفادة الجمع المضاف العموم مشروطة بعدم سبق معهود وهو هنا غير معلوم لاحتمال أن يكون المعهود هنا الأعمال الواجبة أو أعمالا مخصوصة والشك في الشرط يوجب الشك في المشروط فإذا حصل الشك في العموم امتنع الاستدلال وفيه نظر لأن الأصل عدم سبق معهود ولو لا هذا الأصل لما جاز الاستدلال بأكثر العمومات سلمنا سبق معهود لكنه لما لم يكن متعينا أنه الأعمال الواجبة أو المستحبة أو هما معا كان متعلق النهي مجملا فوجب الاجتناب عن قطع المستحبات في الأثناء من باب المقدمة وتحصيلا للبراءة وقد يجاب عن هذا بأنه حسن لو لم يقطع بحرمة قطع بعض الأعمال وأما معه فلا لأن الشك حينئذ يرجع إلى نفس التكليف فيلزم الاقتصار فيما خالف الأصل على مورد اليقين ونحن قد علمنا بحرمة قطع بعض الأعمال وشككنا في غيره فلا بد فيه من الرجوع إلى الأصل الثالث أن حمل الآية الشريفة على العموم هنا غير ممكن لأنه لو حمل على العموم لزم خروج أكثر الأفراد منه واللازم باطل بيان الملازمة أن الأعمال المباحة والمكروهة والمحرمة وبعض الأعمال المستحبة والواجبة يجوز إبطالها فهي خارجة عنه وأما بطلان التالي فلما تقدم إليه الإشارة فاللازم حينئذ الحمل على بعض الأفراد مجازا وحيث لم يمكن تعيينه لبطلان الترجيح بلا مرجح لزم الإجمال ومعه لا بد من الرجوع إلى ما يقتضيه الأصل وهو جواز الإبطال لا يقال الحمل