آخر منه في استعمال آخر ، وهكذا . . . وبهذا يندفع إشكال الدور الذي قد يتوهم هنا ، بتقريب : أن تعهد ذكر اللفظ عند قصد تفهيم المعنى يتوقف على العلم بأنه وضع له . فلو فرض أن الوضع عبارة عن ذلك التعهد لدار . وتوضيح الاندفاع : أن ما يتوقف على العلم بالوضع إنما هو التعهد الشخصي الفعلي الثابت في مرحلة الاستعمال ، دون التعهد الكلي النفساني المتعلق بذكر طبيعي اللفظ عند إرادة تفهيم طبيعي المعنى بنحو القضية الحقيقية . وقد عرفت : أن حقيقة الوضع : عبارة عن ذلك التعهد ، ومن الظاهر أنه لا يتوقف على شئ . فظهر : أن منشأ التوهم : خلط المتوهم بين التعهد في مرحلة الاستعمال والتعهد في مرحلة الوضع ، والذي يتوقف على الثاني هو الأول دونه . وبتعبير آخر : أن حال الألفاظ حال الإشارات الخارجية ، فكما قد يقصد بها إبراز المعنى الذي تعلق القصد بتفهيمه مثل : ما إذا قصد إخفاء أمر عن الحاضرين في المجلس ، أو قصد تصديق شخص ، أو غير ذلك فيجعل مبرزه الإشارة باليد أو بالعين أو بالرأس فكذلك الألفاظ ، فإنه يبرز بها أيضا المعاني التي يقصد تفهيمها ، فلا فرق بينهما من هذه الناحية . نعم ، فرق بينهما من ناحية أخرى ، وهي : أن الإشارة على نسق واحد في جميع اللغات والألسنة دون الألفاظ . وعلى ضوء هذا البيان تبين : أن كل مستعمل واضع حقيقة ، فإن تعهد كل شخص فعل اختياري له ، فيستحيل أن يتعهد شخص آخر تعهده في ذمته ، لعدم كونه تحت اختياره وقدرته . نعم ، يمكن أن يكون شخص واحد وكيلا من قبل طائفة في وضع لغاتهم ابتداء لمعانيها ، فيضعها بإزائها - يعني : يجعلها مستعدة لإبرازها عند قصد تفهيمها - ويتعهد بذلك ، ثم إنهم تبعا له يتعهدون على طبق تعهداته . أو يضع لغاتهم بلا توكيل