من قبلهم ، بل فضوليا ، ولكنهم بعد ذلك يتبعونه في ذلك ويتبانون على وفق تبانيه والتزاماته ، ومع هذا فهم واضعون حقيقة . ومن هنا لا فرق بين الطبقات السابقة واللاحقة ، غاية الأمر : أن الطبقات اللاحقة تتبعها في ذلك ، بمعنى : أنهم يتعهدون على وفق تعهداتهم وتبانيهم ، وقد تتعهد الطبقات اللاحقة تعهدات أخرى ابتدائية بالنسبة إلى المعاني التي يحتاجون إلى تفهيمها في أعصارهم ، وقد سبق أن الوضع تدريجي الحصول ، فيزيد تبعا لزيادة الحاجة في كل قرن وزمن . ومن ذلك تبين ملاك أن كل مستعمل واضع حقيقة . وأما إطلاق الواضع على الجاعل الأول دون غيره فلأسبقيته في الوضع ، لا لأجل أنه واضع في الحقيقة دون غيره . ولكن ربما يشكل بأن التعهد والالتزام حسب ما ارتكز في الأذهان أمر متأخر عن الوضع ومعلول له ، فإن العلم بالوضع يوجب تعهد العالم به بإبراز المعنى عند قصد تفهيمه بمبرز مخصوص ، لا أنه عينه . ومن هنا لا يصح إطلاق الواضع على غير الجاعل الأول ، فلو كان معنى الوضع ذلك التعهد والالتزام النفساني لصح إطلاقه على كل مستعمل من دون عناية ، مع أن الأمر ليس كذلك . والجواب عنه أن يقال : إنه لو أريد بتأخر التعهد عن الوضع تعهد المتصدي الأول للوضع فذاك غير صحيح ، وذلك لأن تعهده غير مسبوق بشئ ما عدا تصور اللفظ والمعنى ، ومن الواضح أن ذلك التصور ليس هو الوضع ، بل هو من مقدماته ، ولذا لا بد منه في مقام الوضع بأي معنى من المعاني فسر . وعليه ، فنقول : إن المتصدي الأول له بعد تصور معنى خاص ولفظ مخصوص يتعهد في نفسه بأنه متى قصد تفهيمه أن يجعل مبرزه ذلك اللفظ ، ثم يبرز ذلك التعهد بقوله : " وضعت " أو نحوه في الخارج .