والمعنوية - إلى آلات يبرز بها مقاصده وأغراضه ، ويتفاهم بها وقت الحاجة ، ولما لم يمكن أن تكون تلك الآلة الإشارة أو نحوها لعدم وفائها بالمحسوسات فضلا عن المعقولات فلا محالة تكون هي الألفاظ التي يستعملها في إبراز مراداته من المحسوسات والمعقولات ، وهي وافية بهما ، ومن هنا خص - تبارك وتعالى - الإنسان بنعمة البيان بقوله عز من قائل : * ( خلق الإنسان علمه البيان ) * [1] . ومن هنا - أي : من أن الغرض منه قصد التفهيم وإبراز المقاصد بها - ظهر : أن حقيقة الوضع هي التعهد والتباني النفساني ، فإن قصد التفهيم لازم ذاتي للوضع بمعنى التعهد . وإن شئت قلت : إن العلقة الوضعية - حينئذ - تختص بصورة إرادة تفهيم المعنى لا مطلقا ، وعليه يترتب اختصاص الدلالة الوضعية بالدلالة التصديقية ، كما سيأتي بيانه مفصلا من هذه الجهة إن شاء الله تعالى . وعلى ذلك فنقول : قد تبين أن حقيقة الوضع : عبارة عن التعهد بإبراز المعنى الذي تعلق قصد المتكلم بتفهيمه بلفظ مخصوص ، فكل واحد من أهل أي لغة متعهد في نفسه متى ما أراد تفهيم معنى خاص أن يجعل مبرزه لفظا مخصوصا - مثلا - التزم كل واحد من أفراد الأمة العربية بأنه متى ما قصد تفهيم جسم سيال بارد بالطبع أن يجعل مبرزه لفظ الماء ، ومتى قصد تفهيم معنى آخر أن يجعل مبرزه لفظا آخر ، وهكذا . . . فهذا التعهد والتباني النفساني بإبراز معنى خاص بلفظ مخصوص عند تعلق القصد بتفهيمه ثابت في أذهان أهل كل لغة ، بالإضافة إلى ألفاظها ومعانيها بنحو القوة ، ومتعلق هذا التعهد أمر اختياري ، وهو التكلم بلفظ مخصوص عند قصد تفهيم معنى خاص . ثم إن ذلك ثابت بين طبيعي اللفظ والمعنى الموضوع له بنحو القضية الحقيقية . نعم ، في مرحلة الاستعمال يوجد المستعمل فردا منه في استعمال ، وفردا