يعرف حجية أخبار الثقة ، وحجية ظواهر الكتاب ، والاستصحاب ونحوها ، فإذا عرف هذه القواعد وعلم بنسبها الخاصة يحصل له الاقتدار على الاستنباط . وصون اللسان عن الخطأ في المقال في علم النحو إنما يحصل لمن يعرف مسائله وقواعده : كرفع الفاعل ، ونصب المفعول ، وجر المضاف إليه ، ونحو ذلك . وصون الفكر عن الخطأ في علم المنطق إنما يترتب على معرفة قوانينه وقواعده : كإيجاب الصغرى ، وكلية الكبرى ، وتكرر الحد الأوسط ، وهكذا ، فلا بد من تصوير الجامع حينئذ بين العلوم ، أو - لا أقل - بين النسب الخاصة ، لا بين الموضوعات . وثالثا : أن المحمولات التي تترتب على مسائل علم الفقه بأجمعها ، وعدة من محمولات مسائل علم الأصول من الأمور الاعتبارية التي لا واقع لها ، عدا اعتبار من بيده الاعتبار ، فإن محمولات مسائل علم الفقه على قسمين : أحدهما : الأحكام التكليفية : كالوجوب ، والحرمة ، والإباحة ، والكراهة ، والاستحباب . والآخر : الأحكام الوضعية : كالملكية والزوجية والرقية ، ونحوها ، وكلتاهما من الأمور الاعتبارية التي لا وجود لها إلا في عالم الاعتبار . نعم ، الشرطية والسببية والمانعية ونحوها من الأمور الانتزاعية التي تنتزع من القيود الوجودية أو العدمية المأخوذة في متعلقات الأحكام أو موضوعاتها ، ولهذا لا تكون موجودة في عالم الاعتبار إلا بالتبع ، ولكن مع ذلك هي تحت تصرف الشارع رفعا ووضعا ، من جهة أن منشأ انتزاعها تحت تصرفه كذلك . وإن شئت قلت : إن محمولات مسائل علم الفقه على سنخين : أحدهما : موجود في عالم الاعتبار بالأصالة : كجميع الأحكام التكليفية ، وكثير من الأحكام الوضعية . والآخر : موجود فيه بالتبع : كعدة أخرى من الأحكام الوضعية .