وأما القسم الثالث والرابع ، وهما : ما إذا اطلق اللفظ وأريد منه صنفه أو مثله فقد يتوهم أنهما من قبيل الاستعمال ، بل لعل ذلك مشهور بينهم ، ولا سيما في القسم الرابع . وكيف كان فالصحيح : هو أن حال هذين القسمين حال القسمين الأولين ، من دون فرق بينهما أصلا . وبيان ذلك يحتاج إلى تقديم مقدمة ، وهي : أنا قد ذكرنا فيما تقدم [1] : أن الحروف والأدوات موضوعة لتضييقات المفاهيم الاسمية وتقييدها بقيود خارجة عن حريم ذواتها ، فإن الغرض قد يتعلق بتفهيم طبيعي المعنى الاسمي على إطلاقه وسعته ، وقد يتعلق بتفهيم حصة خاصة منه ، وقد ذكرنا : أن الدال على الحصة ليس إلا الحروف ، أو ما يحذو حذوها . وإن شئت فقل : إن الموجود الذهني ليس كالموجود الخارجي ، فإنه مطلقا من أي مقولة كان لا ينطبق على أمر آخر وراء نفسه ، وهذا بخلاف المفهوم الذهني ، فإنه بالقياس إلى الخارج عن أفق الذهن قابل لأن ينطبق على عدة حصص ، ولكن الغرض يتعلق بتفهيم حصة خاصة ، والدال عليه - كما مر - هو الحرف أو ما يشبهه وعلى ضوء ذلك فنقول : إن المتكلم كما إذا قصد تفهيم حصة خاصة من المعنى يجعل مبرزه الحرف أو ما يقوم مقامه كذلك إذا قصد تفهيم حصة خاصة من اللفظ يجعل مبرزه ذلك ، فالحرف كما يدل على تضييق المعنى وتخصيصه بخصوصية ما ، كذلك يدل على تضييق اللفظ وتقييده بقيود ما ، فإن الغرض كما قد يتعلق بإيجاد طبيعي اللفظ على ما هو عليه من الإطلاق والسعة يتعلق بتفهيم حصة خاصة من ذلك الطبيعي : كالصنف أو المثل ، فالمبرز لذلك ليس إلا الحرف أو ما يشبهه ، بداهة أنه لا فرق في إفادة الحروف التضييق بين الألفاظ والمعاني . فكلمة " في " في قولنا : " زيد في ضرب زيد فاعل " تدل على تخصص طبيعي لفظ " زيد " بخصوصية ما من الصنف أو المثل ، كما أنها في قولنا : " الصلاة في المسجد