والمظلوم بالاعتبار - ونحن نتكلم فيما يجب ان يكون مفروضا في الرتبة السابقة على الظلم وهو الحق ، فنقول : ان هذا الحق تارة يفترض انه ليس مدركا بالعقل ، وانما هو حق قانوني واعتباري بحت ، وأخرى يفترض كونه مدركا بالعقل . فإن فرض الأول : فمن الواضح ان العقل العمليّ لا يدرك قبح مخالفته ، لعدم اعترافه به ، وانما الحاكم بقبحها هو القانون والمجتمع أو الفرد الذي اعتبر هذا الاعتبار . ولذا ترى ان ما يقبح في مجتمع رأس مالي من تصرفات في أموال لا يقبح في مجتمع شيوعي مثلا ، باعتبار ان ملكية الفرد وسلطنته أمر اعتباري اعتبره المجتمع الأول ولم يعتبره المجتمع الثاني . وان فرض الثاني - أي ان العقل العمليّ أدرك الحق - فهذا بنفسه هو الإدراك للقبح . فمعنى قولنا مثلا : « ان من حق اليتيم ان لا يضرب » هو أنه يقبح ضرب اليتيم . فقولنا : « الظلم قبيح » يرجع بالأخرة إلى قولنا : « القبيح قبيح » وهذه قضية بشرط المحمول . وبتعبير آخر : ان قولنا : الظلم قبيح لا يصلح إلَّا ان يكون منبها ومشيرا إلى عدة قضايا مفروضة في الرتبة السابقة ، فقد جعل الظلم اسما لكل ما فرض في المرتبة السابقة قبحه ، وهذا هو السر في عدم الخلاف في قبح الظلم . والحاصل : ان إدخال قولنا : « الظلم قبيح والعدل حسن » في البراهين والأبحاث الفنّيّة ليس إلَّا عبارة عن لعب الألفاظ بالأمور العقليّة والمطالب الفنّيّة ، نظير لعب كلمة « بيان » في قولهم : « يقبح العقاب بلا بيان » بها ، حيث إنه جاء صدفة التعبير بكلمة « البيان » في