واضحة لدى كل عاقل - وقد مضى ان إدراك الحسن والقبح غير مرتبط بباب الميل والغريزة ، وبباب المصلحة والمفسدة . واما الموقف الثاني : وهو موقف التشكيك في العقل العمليّ فتارة يكون بالمنطق الأخباري ، وأخرى بالمنطق التجريبي ، وثالثة بالمنطق العقليّ . اما المنطق الأخباري : فهو دعوى كثرة الأخطاء في العقل العمليّ ببرهان وقوع الاختلاف الكثير فيه بين الناس ، إذ لا يمكن حقانية الآراء المتضادة جميعا ، فلا يبقى اعتماد على العقل العمليّ . وهذا الكلام يمكن ان يكون المراد منه منع حصول الإدراك العقليّ للحسن والقبح وقد مضى الكلام فيه ، ويمكن ان يكون المراد منه منع ضمان الحقانية وهذا هو الذي نتكلم عنه الآن . وقد أورد على ذلك تارة بالنقض بمسألة قبح إجراء المعجز على يد الكاذب ، وقبح المعصية ، وحسن الطاعة والمعرفة . وقد مضى الجواب على ذلك . وأخرى بالحل : بأن العقل العمليّ قد أدرك حسن العدل وقبح الظلم ولم يقع خلاف في ذلك ، وانما الخلاف في تطبيق هاتين الكبريين العقليتين . والجواب : ان قولنا : العدل حسن والظلم قبيح ضروريتان بشرط المحمول ، ونحن نشرح الكلام في ذلك بالنسبة لقولنا : « الظلم قبيح » ومنه يظهر الكلام في قولنا : « العدل حسن » ، فنقول : لا يتحصل معنى معقول للظلم عدا سلب ذي الحق حقه . فقد فرض في الرتبة السابقة على هذا الكلام حق للمظلوم ، سواء كان هو غير الظالم أو كان هو نفس الظالم كما في ظلم الشخص نفسه [ 1 ] - إذ يكفي التغاير بين الظالم