فهو أكثر إمكانا وحريّة في التصرّف . وبهذا يتضح جوهر الاختيار في الأفعال الاختياريّة . الثّاني : إنّه تفترق الأفعال الاختياريّة عن غيرها من ناحية الوجوب ، حيث أنّ الثاني واجب بوجوب غير مسبوق بالاختيار ، والأوّل يكون وجوبه في طول الاختيار والإرادة . وما هو في طول الاختيار لا يعقل أن ينافي الاختيار ، وإلَّا لزم من وجوده عدمه . والواقع إنّ شيئا من هذين الوجهين لا يفيدان الاختيار بالمعنى الذي هو موضوع لحكم العقل بالحسن والقبح ، وصحة المدح والذم . ولعلَّهم إنّما اصطلحوا على ما ذكروه باسم الاختيار ، وتكلَّموا بتلك الكلمات ، خجلا من التصريح بالجبر . توضيح ذلك : إنّ الوجه الأوّل إنّما يبيّن تفاوت الموجودات في المقدار الممكن من طروّ العوارض والخصوصيّات عليها ، واختلاف درجات قابليّة القابل ، وتسمية بعض الدرجات باسم الاختيار . وهذا لا يختلف في الروح والجوهر عن مثل أن يقال : إنّ الجسم الفلانيّ لا تكون له قابليّة التلوّن بلون عدا لون السواد مثلا ، والجسم الآخر يقبل التلوّن بعدّة ألوان . فيسمّى الثّاني بالاختيار ، ويقال ان هذا الجسم مختار في اتخاذ أي لون من هذه الألوان . أفليس هذا عدا اصطلاح اعتباطيّ خال عن النكتة الفنّيّة الموجودة في الاختيار المصحّح للمدح والذّم والموضوع للحسن والقبح ؟ . وأمّا الوجه الثاني : فما ذكر فيه من أنّ ما هو في طول الاختيار لا ينافي الاختيار ، وإن كان صحيحا إلَّا أنّ الكلام في الصغرى وهو كون هذا الوجوب في طول الاختيار ، فإنّهم يقصدون بذلك أنّ الفعل في طول الإرادة ، وسمّوا الإرادة بالاختيار . وهذه التسمية أيضا ليست عدا اصطلاح اعتباطيّ فارغ عن النكتة المطلوبة في تصحيح استحقاق المدح