يد المشلول وتحريك اليد اختيارا سيّان في هذا الأمر . ومن هنا وقعوا في إشكال في تصوير معنى الاختيار في الأفعال الاختياريّة . وحاصل ما يتلخّص من كلماتهم في تصوير ذلك أمران : الأوّل : إنّه تفترق الأفعال الاختياريّة عن غيرها من ناحية الإمكان وقابليّة القابل . فانفتاح باب الإمكان على وجه الشيء الموجود يكون بمقدار رفعته وخسّته في سلَّم الوجود ، فالجماد مثلا الذي هو أخسّ الموجودات ليست له إمكانيّة قبول العوارض والطوارئ إلَّا في مجال ضيّق ، ولذا ترى أنّ العالم الطبيعيّ بإمكانه أن يتنبأ كيفيّة تحرّك الحجر مثلا المرميّ إلى فوق ، في سير نزوله ومحلّ سقوطه . وأمّا النبات الذي يتنعّم بنعمة الحياة بمقدار ما ، فهو أرقى في سلَّم الوجود . فقابليّته وإمكاناته تكون في دائرة أوسع ، فهناك مجال للتشكيك فيما سوف يصنعه النبات . ولذا ترى بعض النباتات إذا اقترب في نموّه من جدار يمنع عن نموّه لو التصق به ، يغيّر من شكل حركته ويتحرك في نموّه من جهة أخرى ، فهو أوسع إمكانا من الجماد . وأمّا الحيوان فهو أرقى من النبات في سلَّم الوجود ، فتتّسع دائرة إمكاناته وحريّته في مجال أوسع . فإذا ضرب حيوان مثلا ، وصمّم على الفرار ، وكانت لفراره عدّة طرق متساوية ، لا يمكن للعالم الطبيعيّ أن يتنبّأ ما سوف يختاره هذا الحيوان من طريق الفرار . وأمّا الإنسان ، فهو أرقى مرتبة من الحيوان في سلَّم الوجود ، ويعيش في دائرة أوسع من الإمكانيّات والحرّيّات . فبينما ترى الحيوان أسير غرائزه وميوله النفسانيّة لا يتخلَّف عنها قدر المستطاع ، ترى الإنسان له عقل باستطاعته أن يحكمه على الغرائز والميول النفسانيّة ، فيغيّر مجرى عمله من مسير الغرائز وتلك الميول ، أو أن لا يحكمه . والخلاصة : انه كلما كان الموجود في درجة أرقى من سلَّم الوجود ،