والمدرك بالعرض ، توضيح ذلك : أنّنا حقّقنا في بحث اجتماع الأمر والنهي أنّ الحالات النفسيّة ، من قبيل الإدراك والحبّ والبغض وغير ذلك ، لا تنصبّ ابتداء على ما في الخارج ، وإنّما يكون المدرك بالذّات أو المحبوب والمبغوض بالذّات ونحو ذلك هي الصورة الموجودة في صقع الإدراك أو الحبّ والبغض ، وهي عين الإدراك أو الحبّ والبغض أو غير ذلك من الصّفات النفسيّة . أمّا ما في الخارج فهو مدرك بالعرض ، أو محبوب أو مبغوض بالعرض . وبعد هذا نقول : إنّ تنافر أيّ قوّة من القوى من إدراك شيء أو انبساطها منه ، عبارة عن المنافرة أو الملائمة بينها وبين المدرك بالذات ، لا المدرك بالعرض . فإنّ المدرك بالعرض ليس هو الحاضر لدى القوّة كي يؤثّر في انبساطها وانقباضها . مثلا : القوة الباصرة تلتذ بإدراكها للحدائق والأزهار ولو فرض إدراكها غير مطابق للواقع الخارجي ، وتشمئز من إدراكها للصور القبيحة ولو فرض غير مطابق للواقع . وحينئذ نسأل بالنسبة للقوّة العاقلة : هل المقصود انبساطها وانقباضها بالمدرك بالعرض باعتبار مسانخته أو عدم مسانخته لها ، أو المقصود انبساطها وانقباضها بالمدرك بالذّات باعتبار مسانخته أو عدم مسانخته لها ؟ فإن فرض الأوّل قلنا : إنّ المدرك بالعرض ليس هو الحاضر لدى القوّة العاقلة كي يؤثّر بالمسانخة وعدم المسانخة ذاك التأثير . وإن فرض الثّاني قلنا : إنّ المدرك بالذّات دائما على حدّ سواء من حيث التجرّد وسعة الوجود ، بلا فرق بين أن يكون المدرك بالعرض وسيعا أو ضيّقا . فإنّ من أوّليّات علم النفس في الفلسفة أنّ إدراكات قوّة واحدة تناسب تلك القوّة في التجرّد وسعة الوجود على نهج واحد ، فليس مثلا إدراك الأمر المادّي مادّيّا ، والمجرّد مجرّدا ، بل إدراك ما هو من أرقى الموجودات يساوي من