حيث التجرّد إدراك ما هو من أخسّ الموجودات كالبياض مثلا الَّذي هو وجود عرضيّ حالّ في وجود مادّيّ . وما للمدرك بالعرض من السعة والضيق أو الخيريّة والشرّيّة لا يسري إلى المدرك بالذّات ، وإنّما يحكم على المدرك بالذّات بأحكام وخصائص المدرك بالعرض بمنطق الفناء ، ولا يوجب الفناء سريان الخصائص والآثار من الخارج إلى الصورة حقيقة . فصورة النّار مثلا سوف لن تحرق بفنائها في ذي المصورة ، وإدراك الوسيع أو الضيّق سوف لن يكون وسيعا أو ضيّقا بلحاظ حال المدرك بالعرض ، كي يترتّب على ذلك انبساط القوّة العاقلة وانقباضها . ولذا ترى وجدانا : أنّ القوّة العاقلة ليس الأولى بها أن تدرك العدل فقط دون الظلم ، كما كان الأولى بالقوّة الباصرة أن تدرك الصورة الحسنة دون القبيحة ، والأولى بالقوّة الشامّة أن تشمّ الروائح العطرة دون الكريهة . إذن فما مضى من المقدّمة الفلسفية بناءً على تماميّتها لا تنتج المطلوب . وثانيا : إنّ هناك نقوضا يرد على ما ذكره ( رحمه اللَّه ) إن أمكن الجواب عن بعضها بتكلَّف فمجموع النقوض كاف في الإيراد عليه : الأوّل : إنّه لو كان الحسن والقبح العقليّان باعتبار مدى مسانخة الفعل للقوّة العاقلة في سعة الوجود ، لزم أن يختلف العقل العمليّ - بالتعبير العلميّ - والضمير الخلقي - بالتعبير الوعظيّ - باختلاف العقل النظريّ ويكون تابعا له سعة وضيقا . فمن يكون منّا أذكى في العقل النظريّ وأقوى في مقام اقتناص الكليّات وفهم المجرّدات واستخلاصها من شوائب المواد والخصوصيّات ، يكون أشدّ انقباضا من إدراك الفعل القبيح واستقباحا لصدوره من شخص ما . ومن يكون أضعف في ذلك أقلّ انقباضا منه واستقباحا لصدوره من نفس ذاك الشخص . بينما