توضيح ذلك : إنّ الفلاسفة ذهبوا إلى أنّ الوجود خير محض ، وأنّ العدم شرّ محض . فكلَّما كان أوسع وجودا كان أوسع خيريّة ، وكلّ ما كان أضأل وأضيق ، وجانب العدم أغلب عليه ، يكون أكثر شرّيّة . واتصاف بعض الوجودات بالشرّ يكون باعتبار ما يلازمها أو يترتّب عليها من الأعدام . كما أنّ اتصاف بعض الأعدام بالخير يكون باعتبار ما يلازمها أو يترتّب عليها من الوجودات . فالإنسان مثلا أكثر خيرا وآثارا من الحيوان ، لكونه أوسع وأرقى وجودا منه . وكذلك الحيوان أكثر بركة وآثارا من النبات ، والنبات من الجماد . هذا هو تطبيق كلام الفلاسفة على الأعيان الخارجيّة . وكذا الكلام في تطبيقه على الأفعال : فكلّ فعل يكون جانب الوجود فيه أوسع فهو أكثر خيريّة ، وكلَّما كان من الأفعال ضئيلا وحقيرا ، وكان جانب العدم هو الغالب عليه ، كان أشدّ شرّيّة . والمحقّق الخراساني ( رحمه اللَّه ) بعد ما طبّق كلام الفلاسفة على باب الأفعال ذكر : أنّ كل قوّة من القوى في الإنسان ( كقوّة البصر والذوق والشمّ وغير ذلك ) تنبسط وتنشرح بإدراك ما يلائمها ، وتتضجّر وتنكمش من إدراك ما ينافرها . فالباصرة مثلا تنبسط لرؤية الحديقة والأزهار ، وتتضجّر لرؤية ما تستقبحه من صور الأشياء الكريهة . وكذلك الشامّة بالنسبة للروائح وغيرها من القوى . وكذلك الحال في رئيس تلك القوى وهي القوّة العاقلة ، فتنبسط لادراك ما يلائمها وتنكمش من إدراك ما ينافرها . ومقياس الملائمة والمنافرة لها هي درجة التسانخ وعدمه . وبما أنّ القوّة العاقلة موجود بسيط ومجرّد ، ومن أوسع الوجودات وأرقاها ، فكلّ فعل كان أوسع وجودا كان أشبه وأنسب بالقوّة العاقلة ، وأكثر سنخيّة لها ، فتنبسط القوّة العاقلة بإدراكه لها تصوّرا أو تصديقا . وكلّ فعل كان أضيق وجودا