نسبة الحسن والقبح الذاتيّين إلى الحسن والقبح الشرعيّين ، كنسبة السلطنة الواقعيّة إلى السلطنة الشرعيّة المختلفتين جوهريا . فالثانية عبارة عن عنوان السلطنة المجعول بتشريع الشارع وإنشائه - وهو الملكيّة مثلا - بينما الأولى عبارة عن نفس المعنون وواقع السلطنة الثابت في الخارج . وكذلك الحال فيما نحن فيه ، فالحسن والقبح الذاتيان عبارة عن واقع الحسن والقبح ونفس المعنون ، بينما الحسن والقبح الشرعيّان عبارة عن عنوان الحسن والقبح الثابت بالجعل والاعتبار ، ولا يؤثر الجعل والاعتبار إلَّا في إيجاد العنوان دون المعنون . وإن شئت فسمّ الأوّل بالحسن والقبح بالحمل الشائع ، والثّاني بالحسن والقبح بالحمل الأوّليّ . وبعد أن اتضحت لك هذه النّكتة ، قلنا : إنّ فرض النزاع في إدراك الحسن والقبح الذاتيّين يتصوّر بأحد وجوه : الأوّل : أن تقول العدليّة مثلا : إنّا ندرك الحسن والقبح الذاتيّين ، ويكذّبهم الأشعريّ ويقول لهم : إنّكم لا تدركون ذلك . وهذا ليس بحثا علميّا ، فإنّ البحث العلمي قائم على أساس التخطئة لا التكذيب . والواقع هو ثبوت هذا الإدراك في أكثر أفراد البشر . الثاني : أن يقول هذا : إني أدرك الحسن والقبح . ويقول ذاك : إني لا أدركهما . وهذا راجع في الحقيقة إلى البحث الثّالث . إذ معنى ذلك أنّ الأشعريّ يقول للعدليّة . إنّ حقانيّة ما عندكم من الإدراك غير ثابت عندي ، أو هي ثابتة العدم . الثالث : أن يقول أحدهما للآخر : إني أدرك ما تدركه ، إلَّا أنّ الخلاف فيما بيننا هو أنّ هذا الأمر المدرك هل هو مضاف إلى ذات الشيء أو إلى الشارع ؟ وتشعر بذلك كلمات الأشعريّين في كيفيّة تحرير البحث . حيث أنّهم يقسّمون أولا الأفعال إلى الحسن والقبيح ، ويذكرون أقسام الحسن وأقسام القبيح ، ثمّ يبحثون أنّ هذا الحسن