والقبح عقليّ أو شرعيّ ؟ فكأنّهم يرون أنّ الحسن والقبح لا يختلف ذاتهما على فرض كونهما عقليّين عنهما على فرض كونهما شرعيّين . ويشعر بذلك أيضا ردّ العدليّة للأشعريّ بإدراك البراهمة ونحوهم - ممّن يقال عنهم بأنّهم غير متدينين بأيّ شريعة - للحسن والقبح . فإنّ هذا أيضا مشعر باتحاد سنخ المدرك ، وأنّ الاختلاف إنّما هو في إضافته إلى الشرع وعدمه . فيثبت بإدراك من لا يدين بشريعة للحسن والقبح عدم انتسابهما إلى الشرع . وحلّ المغالطة يكون بما مضى من بيان الاختلاف سنخا وذاتا بين الحسن والقبح العقليّين والشرعيّين ، فإنّ هذه المغالطة إنّما نشأت من الخلط بين ما مضى مما أسميناه بالحمل الأوّلي والحمل الشائع . الرّابع : أن تقول العدليّة : إنّا ندرك الحسن والقبح الذاتيّين بغضّ النظر عن الحسن والقبح الشرعيّين ، ويقول الأشعريّ : إنّي أدرك نفس ما تدرك من الحسن والقبح الذاتيّين ، لكن لا مطلقا بل في طول الحسن والقبح الشرعيّين . فكلَّما أوجبه الشارع كان فعله حسنا بعنوانه إطاعة للَّه ، وكلَّما حرّمه كان قبيحا بعنوان معصية للَّه . وهذا التفسير للنّزاع خارج عن مورد بحثنا . إذ المفروض فيه تسليم كليهما بإدراك العقل للحسن والقبح الذاتيّين ، وإنّما الاختلاف يكون في سعة دائرة الحسن والقبح الذاتيّين وضيقهما ، وأنّ الحسن والقبح هل يختصان بطاعة المولى ومعصيته أولا ؟ وهذا بحث آخر [ 1 ] .